الثلاثاء، 5 مايو 2009

دراسة تقيم أداء الإسلاميين في الفضائيات العربية


إعداد - علي بن حاجب / 03-05-2009

شهدت الفترات الأخيرة تنامي حضور قيادات الحركات والاتجاهات الإسلامية على شاشات الفضائيات في العالمين العربي والإسلامي، وقد ارتبط هذا التنامي بالدور المتصاعد للحركات الإسلامية وما تحققه من تقدم في عديد من الاستحقاقات السياسية وما يرتبط بذلك من جدل على أكثر من صعيد وفي أكثر من دائرة.
وفي محاولة للوقوف على أداء الإسلاميين في الفضائيات، والمحددات التي تتحكم في مستوياته، أجرى مركز "أبواب الإعلام للدراسات والاستشارات الإعلامية" بالرياض دراسة، ركزت على تقييم أداء الإسلاميين في القنوات الفضائية العربية خاصة البرامج الحوارية والتي يمكن أن تعطي مؤشرات واضحة، وقام بإعداد الدراسة الباحث محمد كريم بإشراف د.مالك الأحمد.
اقتصرت الدراسة على قناتي الجزيرة والعربية، معتبرة أنهما من أشهر القنوات التي تستضيف الإسلاميين من شتى الاتجاهات والتيارات، ووضعت الدراسة خمسة مستويات لتقييم أداء الإسلاميين في محاولة للكشف عن العوامل التي لها تأثير في مستوى أداء الضيف الإسلامي، وقد لوحظ أن نوع القناة لا يؤثر كثيرا على أداء الضيف، كما لوحظ عدم وجود تغير كبير في مستوى الأداء بين القناتين، سواء في الإيجابيات أو السلبيات.
أداء الضيوف الإسلاميين
تم اختيار نوعين من البرامج من كل قناة، منها برامج الضيف الواحد، وبرامج الضيوف المتعددين، وقد لاحظت الدراسة أن أداء الضيوف الإسلاميين في برامج الضيف الواحد يختلف عن أدائهم في برامج الضيوف المتعددين؛ فمن حيث مستوى المضمون: يكاد يكون هناك تقارب بين النوعين، إلا أن الأداء يشتد قوة في برامج الضيوف المتعددين عموما، خصوصا حينما يكون مستوى الضيف الإسلامي قويا في تخصصه، وقد يرجع ذلك إلى ما يجده الضيف الإسلامي من دافع للرد على الطرف الآخر.
ومن حيث مستوى العرض: يتقارب المستوى بين النوعين، إلا أنه يزداد قوة في برامج الضيوف المتعددين؛ حيث يتسم غالبا بالعرض الجيد.
وأما من حيث السيطرة على توجيه الحوار فيوجد تفاوت بين النوعين؛ ففي برامج الضيف الواحد كثيرا ما يستطيع مقدم البرنامج توجيه الحوار حيثما أراد، أما في برامج الضيوف المتعددين فغالبا ما يخرج البرنامج عن سيطرة مقدم البرنامج، وتتوقف السيطرة على الحوار في برامج الضيوف المتعددين على قوة الضيف الإسلامي العلمية والتخصصية، وقوة الحضور.
كما نوهت الدراسة إلى ملاحظات مهمة، من أهمها:
أولا: عدم مراعاة الضوابط الشرعية في مجادلة المخالفين؛ فكثيرا ما يغفل بعض الضيوف الإسلاميين تلك الضوابط ويدخل في شجار كلامي بينه وبين الطرف الآخر، ظنا منه أنه بذلك سيظهر بصورة قوية أمام المشاهدين، أو أنه سيردع الطرف الآخر، مع أن الضيف الإسلامي ينبغي أن يقدم للمشاهد نموذجا حسنا من الأخلاق الإسلامية.
ثانيا: الجرأة على رمي الآخر بالتكفير والإلحاد؛ فهناك العديد من النماذج التي يرمي فيها الضيف الإسلامي الطرف الآخر بالإلحاد والكفر علانية أمام المشاهدين؛ وهو ما يسبب النفور من الضيف خصوصا ومن الإسلاميين عموما عند المشاهدين.
ثالثا: الجرأة أحيانا على السب والشتم؛ فيعتمد بعض الضيوف على تنفير المشاهد من الطرف الآخر من خلال وصفه بأقذع الألفاظ، بعد عجزه عن الرد، أو لظنه أن تنفير المشاهدين منه بالحجج والشواهد لم يكف.
رابعا: الاشتراك في برامج يعلم الضيف الإسلامي أن الطرف الآخر ممن يستهزئون بالمقدسات الإسلامية، فتجده يشترك في برامج يكون فيها طرف مشهور بعدائه للتيار الإسلامي، ومشهور بتدنيه في أسلوب الحوار؛ مما يضطر الإسلامي أن يرد على استهزاءاته برميه بالكفر والردة علنا.
خامسا: عدم القدرة أحيانا على التخلص من المقاطعات؛ وهذه ظاهرة في برامج الضيوف المتعددين؛ حيث تكون هناك صعوبة للتخلص من مقاطعات الطرف الآخر، وخصوصا إن كان من المشاكسين.
سادسا: الانفعال السلبي؛ حيث يفقد الضيف الإسلامي في كثير من الأحيان في البرامج المتعددة الضيوف السيطرة على عواطفه ونوازعه وأعصابه، ويقع في منطقة المشاحنات والملاسنة مع الطرف الآخر، أو يتوجه إليه بالتهديد والاستخفاف والاستهزاء.
جدل القضايا والشخصيات
وفيما يتعلق بنوعية الضيوف، أشارت الدراسة إلى أنه كان لنوع الضيوف تأثير واضح في نوعية الأداء؛ حيث يتسم أداء القيادات في الغالب بالحكمة والدبلوماسية، والقدرة على تجاوز الأسئلة المحرجة، والقدرة على العرض الجيد، وقوة الرد، ولا ينفي هذا وجود نماذج قوية من غير القيادات أو الشخصيات المشهورة، كما لا ينفي وجود نماذج ضعيفة أيضا؛ ويرجع ذلك إلى خبرة الضيف؛ فالضيوف المشهورون في الفضائيات يأتي أداؤهم قويا.
وحول نوع القضية التي تستضاف فيها الشخصية الإسلامية، أوضحت الدراسة أن لنوع القضية تأثيرا كبيرا؛ فالضيوف المتخصصون يكونون أكثر قدرة على التعامل مع برامج الفضائيات من غير المتخصصين، ففي مجال التأصيل الشرعي وجدت الدراسة أن بعض القيادات السياسية والإدارية تكون إجاباتها ضعيفة، وبالمثل فإن الخبراء في التأصيل الشرعي حين يتطرقون إلى السياسية تأتي ردودهم ضعيفة.
وأشارت الدراسة إلى أن الأداء في الفضائيات يختلف عن الأداء في الوسائل الإعلامية الأخرى؛ حيث تعتمد الفضائيات على الحوار الساخن، والقدرة على الارتجال، والإلمام بتطورات الأحداث السياسية، والقدرة على الإجابة على الأسئلة المحرجة، والمواجهات الشديدة، والاعتراضات غير المعتادة.
وفيما يتعلق بملاحظات تقويم المحاور تقول الدراسة إن الضيوف الإسلاميين من حيث المضمون ينقسمون إلى نوعين: نوع يجيد تأصيل الآراء والمواقف تأصيلا شرعيا، وغالبا ما يكونون من الباحثين الشرعيين أو العلماء، ونوع آخر يفتقر إلى هذا النوع من التأصيل، مع كونهم من القيادات والرموز؛ وهو ما يؤدي إلى الخلط لدى المشاهد، ويرجع ذلك إلى أن الضيف غالبا ما يكون من غير المتخصصين.
وحول الاستطراد والاختزال، نوهت الدراسة إلى وجود نماذج متنوعة؛ فبعض الضيوف يستطرد في إجابته استطرادا يخدم فكرة واحدة، لكنه استطراد إيجابي، وهناك استطراد ضعيف لأنه يخرج عن الفكرة الأساسية مما يشتت الانتباه.
كما أشارت الدراسة إلى أن بعض الضيوف يختزلون العديد من القضايا، سواء بالحكم المطلق على الجميع، أو الحكم في قضية خلافية كبيرة بحكم شخصي يطرح وجهة نظر ذاتية ضيقة.
أما من حيث المعلومات، فيتفاوت الضيوف الإسلاميون؛ فمنهم من يكون على قدر كبير من المعلومات الدقيقة والعميقة، ويقدم للمشاهد المعلومات التي تؤيد كلامه، ومنهم من يفتقر إلى تلك المعلومات في الوقت الذي يتوقع المشاهد منه دقة وعمقا في معلوماته.
ولفتت الدراسة إلى أن نجاح بعض الضيوف الإسلاميين لا يعتمد فقط على ما يقدمونه للمشاهد من معلومات وحجج ووثائق، وإنما على ما يقدمونه من معلومات موثقة عن حقيقة الطرف المضاد، وكلما زادت هذه المعلومات فقد الطرف المضاد مصداقيته لدى المشاهد، وزادت ثقة المشاهد بالضيف الإسلامي، وفي المقابل هناك ضعف وسطحية في المعلومات عند بعض الضيوف.
الإسلاميون وآفة التوثيق
وأكدت الدراسة أن افتقار الإسلاميين للتوثيق يمثل ظاهرة؛ فنادرا ما يقدم الضيف الإسلامي للمشاهد الوثائق، سواء بالإشارة إليها، أو بعرضها في البرنامج، معتمدا على كلام الناس وبعض المعلومات التي تطايرت إلى مسامعه، كما أن كثيرا من الإسلاميين لا يقدمون تلخيصا جيدا لما يريدون أن يوصلوه للمشاهد، فبعد أن ينتهي البرنامج يجد المشاهد نفسه بين أطراف تنازعت الكلام، وقد لا يتذكر منها إلا الكلمات الأخيرة القوية، وهذا الجانب لا يجيده كثير من الإسلاميين.
وفيما يتعلق بخطاب الضيوف الإسلاميين قالت الدراسة إنه يعتمد على المنطق، ثم يأتي بعد ذلك الخطاب المتمازج، ثم العاطفي، ومما يعيب الخطاب المنطقي ضعف العرض، والشرود، والاستطراد السلبي، ونقص المعلومات، كما أن الضيوف لا يملكون القدرة على مواكبة المصطلحات والتعبيرات الخاصة بمجال القضية التي يتكلمون فيها، ومن ثم يلجئون إلى تعبيرات ركيكة وضعيفة، تدل على قلة خبرتهم في المجال.
وفيما يتعلق بالقدرة على التعامل مع الأسئلة المحرجة والمستفزة، أوضحت الدراسة أن لدى الإسلاميين قدرة عالية على تجاوز الأسئلة المحرجة، وأن أسلوبهم يتسم بالتنوع في طريقة التجاوز، فمنهم من يعتمد على عرض الحقائق التي تفند شبهات السؤال أو دعاوى الطرف الآخر، ومنهم من يعتمد على التحليل الشرعي، ومنهم من يستند إلى الردود الدبلوماسية، أو الخبرة السابقة في تحليل الأحداث، أو بتوجيه السؤال نحو قضايا أهم تلفت نظر المشاهد.
واعتبرت الدراسة وقوع الضيف الإسلامي في مواجهات مع بعض مقدمي البرامج أو الأطراف الأخرى قد تكون محاولات لاستصدار تصريح من الضيف بالإدانة لفصيل إسلامي آخر، وقد جاء أداء الإسلاميين إزاء هذه المحاولات متفاوتا؛ فمنهم من يواجه تلك المناورات بمهارة، ومنهم من يقع فريسة سهلة لتك المحاولات.
نتائج الدراسة
وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج من أهمها:
1- أفسحت الفضائيات المجال للإسلاميين لكي يقولوا كلمتهم، ويعرضوا آراءهم للمشاهدين، وخصوصا مع وجود أصوات قوية للتيارات غير الإسلامية.
2-البرامج التي تستضيف الإسلاميين تتسم بالجودة، كما أنها تعرض لتاريخ الضيف، وأهميته، ومؤلفاته، وحياته العلمية؛ مما يدفع بعض الضيوف إلى إعداد أنفسهم للاشتراك في مثل هذه البرامج.
3-أداء الإسلاميين متفاوت، وهذا التفاوت له أسباب عديدة، فمنها ما هو شخصي، ومنها ما هو راجع لظروف خاصة كعدم وجود متحدث عن التيار إلا بعض القيادات الضعيفة إعلاميا، أو علميا... إلخ.
4- نمط العمل الذي يمارسه الإسلاميون له تأثير كبير على قوتهم أو ضعفهم، مع فرض تحييد العوامل الأخرى؛ فالتيارات التي يغلب عليها العمل السياسي تكون غالبا مفتقرة إلى التأصيل الشرعي الجيد، والتيارات التي يغلب عليها التوجه العلمي الشرعي يغلب عليها الضعف في المجالات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، والتيارات التي يغلب عليها التوجه الدعوي تفتقر أيضا إلى التأصيل الشرعي.
5- كثير من الإسلاميين، حتى في مجال العمل الإعلامي في الفضائيات، لم يصل بعد إلى المستوى الذي يمكنه من التغلب على التعصب الحزبي، أو التخلي عن السمات الحزبية؛ فالضيف غالبا، إلا في بعض الحالات أو النماذج، يكون واجهة لحزبه أو تياره، مظهرا لغيره من التيارات أو الحركات بصورة سلبية، محاولا ترويج رسالته على حساب تلك التيارات الأخرى.
6- لم يصل الإسلاميون في أغلب الحالات إلى مستوى الأداء المناسب في مجال الفضائيات؛ نظرا لكثرة السلبيات النوعية في الأداء الإعلامي، من حيث محاور المضمون، أو محاور الخطاب، أو محاور التوجيه.
7- أخطر السلبيات التي تواجه أداء الإسلاميين في محاور المضمون: ضعف التأصيل الشرعي، واختزال بعض القضايا المهمة، ونقص المعلومات، والافتقار إلى الوثائق، والضعف في معرفة الخصم وتحليل موقفه، وضعف القدرة على تلخيص الموقف بصورة مركزة، لاسيما في كلمات الختام.
8- أن أخطر السلبيات التي تواجه أداء الإسلاميين في محاور الخطاب هي: ضعف العرض، وعدم القدرة على استعمال العبارات المباشرة، واستعمال الشواهد أو التعبيرات القرآنية في مواضع غير مناسبة، ونقص الخبرة في تعبيرات ومصطلحات المجال الذي تدور حوله المناقشة.
9- أن أخطر السلبيات التي تواجه الإسلاميين في محاور السيطرة على الحوار هي: ضعف توجيه الحوار، وعدم استغلال الفرص المناسبة لخدمة موقفه وتمرير أفكار للمشاهدين، وغلبة الانفعال السلبي على بعض الضيوف، والتأثر ببعض المقاطعات والاستجابة لمضمونها، والانزلاق في أنواع من الشخصنة.
10- أن بعض الإسلاميين يشارك في حوارات مع من يُعرف باستهزائه بالدين، ويستمر في الحوار معه على الرغم من تكرار استهزائه، ومن نتائج ذلك السلبية: إسماع الناس هذا الاستهزاء العلني، وتحول الضيف الإسلامي أمام المشاهدين إلى صورة المتشدد الذي يتهم غيره بالكفر، وتنمية الجرأة لدى الطرف الآخر على الاسترسال في استهزائه.
11- بعض الإسلاميين يتعامل مع الأطراف المخالفة بمنطق التصنيف؛ فهذا معتدل، وهذا متطرف، ويضع الضيف نفسه دائما في خانة المعتدلين على حساب باقي التيارات.
12- بعض الإسلاميين حين يظهرون في الفضائيات لا يراعون الضوابط الشرعية في الحوار والجدال مع المخالف، ويصل بهم عدم الالتزام بتلك الآداب إلى أن يصف الطرف الآخر بأقذع كلمات السباب والشتم، وهذا إن وقع من الطرف الآخر فلا يليق بالضيف الإسلامي أن يزلّ فيه.
13- بعض الإسلاميين يتجرأ على رمي الطرف الآخر بالكفر أو الردة أو الإلحاد، وهذا أقل ما فيه أنه ينفر الطرف الآخر، وينفر المشاهدين من الضيف الإسلامي.
14- القيادات في الغالب تكون أكثر قدرة على المشاركة في مثل تلك البرامج، وهذا لا ينفي وجود نماذج فردية من غير القيادات أو المشهورين تضاهي مستوى القيادات أو قد تتفوق عليها.
15- هناك عوامل قد يكون لها تأثير واضح في أداء الضيف الإسلامي، مثل الظروف الأمنية التي تجعل الضيف يتجنب الخوض في بعض القضايا، أو التعصب للانتماء، أو التأثر بمواقف شخصية مثل الشخصيات المعارضة التي أبعدت من عضوية تيار ما، أو مواقف سياسية، أو توجهات حزبية، أو وجود خلفيات عن أداء الطرف المضاد في برامج سابقة.
16-الكلمات الأخيرة التي تتاح للضيف الإسلامي ينبغي أن يجتهد في صياغتها صياغة قوية ومركزة، ويوجزها في عبارات سريعة؛ لأن المشاهد في الغالب لا يتذكر إلا هذه الكلمات الأخيرة.
17- من أبرز عوامل نجاح الضيف الإسلامي في تلك البرامج: التأصيل الشرعي القوي للقضايا، والمعلومات الدقيقة، ومعرفة الخصم، والعرض القوي، واستعمال نوع الخطاب المناسب.
مراسل موقع إسلاميون في السعودية


منقول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق