الثلاثاء، 5 مايو 2009

دراسة تقيم أداء الإسلاميين في الفضائيات العربية


إعداد - علي بن حاجب / 03-05-2009

شهدت الفترات الأخيرة تنامي حضور قيادات الحركات والاتجاهات الإسلامية على شاشات الفضائيات في العالمين العربي والإسلامي، وقد ارتبط هذا التنامي بالدور المتصاعد للحركات الإسلامية وما تحققه من تقدم في عديد من الاستحقاقات السياسية وما يرتبط بذلك من جدل على أكثر من صعيد وفي أكثر من دائرة.
وفي محاولة للوقوف على أداء الإسلاميين في الفضائيات، والمحددات التي تتحكم في مستوياته، أجرى مركز "أبواب الإعلام للدراسات والاستشارات الإعلامية" بالرياض دراسة، ركزت على تقييم أداء الإسلاميين في القنوات الفضائية العربية خاصة البرامج الحوارية والتي يمكن أن تعطي مؤشرات واضحة، وقام بإعداد الدراسة الباحث محمد كريم بإشراف د.مالك الأحمد.
اقتصرت الدراسة على قناتي الجزيرة والعربية، معتبرة أنهما من أشهر القنوات التي تستضيف الإسلاميين من شتى الاتجاهات والتيارات، ووضعت الدراسة خمسة مستويات لتقييم أداء الإسلاميين في محاولة للكشف عن العوامل التي لها تأثير في مستوى أداء الضيف الإسلامي، وقد لوحظ أن نوع القناة لا يؤثر كثيرا على أداء الضيف، كما لوحظ عدم وجود تغير كبير في مستوى الأداء بين القناتين، سواء في الإيجابيات أو السلبيات.
أداء الضيوف الإسلاميين
تم اختيار نوعين من البرامج من كل قناة، منها برامج الضيف الواحد، وبرامج الضيوف المتعددين، وقد لاحظت الدراسة أن أداء الضيوف الإسلاميين في برامج الضيف الواحد يختلف عن أدائهم في برامج الضيوف المتعددين؛ فمن حيث مستوى المضمون: يكاد يكون هناك تقارب بين النوعين، إلا أن الأداء يشتد قوة في برامج الضيوف المتعددين عموما، خصوصا حينما يكون مستوى الضيف الإسلامي قويا في تخصصه، وقد يرجع ذلك إلى ما يجده الضيف الإسلامي من دافع للرد على الطرف الآخر.
ومن حيث مستوى العرض: يتقارب المستوى بين النوعين، إلا أنه يزداد قوة في برامج الضيوف المتعددين؛ حيث يتسم غالبا بالعرض الجيد.
وأما من حيث السيطرة على توجيه الحوار فيوجد تفاوت بين النوعين؛ ففي برامج الضيف الواحد كثيرا ما يستطيع مقدم البرنامج توجيه الحوار حيثما أراد، أما في برامج الضيوف المتعددين فغالبا ما يخرج البرنامج عن سيطرة مقدم البرنامج، وتتوقف السيطرة على الحوار في برامج الضيوف المتعددين على قوة الضيف الإسلامي العلمية والتخصصية، وقوة الحضور.
كما نوهت الدراسة إلى ملاحظات مهمة، من أهمها:
أولا: عدم مراعاة الضوابط الشرعية في مجادلة المخالفين؛ فكثيرا ما يغفل بعض الضيوف الإسلاميين تلك الضوابط ويدخل في شجار كلامي بينه وبين الطرف الآخر، ظنا منه أنه بذلك سيظهر بصورة قوية أمام المشاهدين، أو أنه سيردع الطرف الآخر، مع أن الضيف الإسلامي ينبغي أن يقدم للمشاهد نموذجا حسنا من الأخلاق الإسلامية.
ثانيا: الجرأة على رمي الآخر بالتكفير والإلحاد؛ فهناك العديد من النماذج التي يرمي فيها الضيف الإسلامي الطرف الآخر بالإلحاد والكفر علانية أمام المشاهدين؛ وهو ما يسبب النفور من الضيف خصوصا ومن الإسلاميين عموما عند المشاهدين.
ثالثا: الجرأة أحيانا على السب والشتم؛ فيعتمد بعض الضيوف على تنفير المشاهد من الطرف الآخر من خلال وصفه بأقذع الألفاظ، بعد عجزه عن الرد، أو لظنه أن تنفير المشاهدين منه بالحجج والشواهد لم يكف.
رابعا: الاشتراك في برامج يعلم الضيف الإسلامي أن الطرف الآخر ممن يستهزئون بالمقدسات الإسلامية، فتجده يشترك في برامج يكون فيها طرف مشهور بعدائه للتيار الإسلامي، ومشهور بتدنيه في أسلوب الحوار؛ مما يضطر الإسلامي أن يرد على استهزاءاته برميه بالكفر والردة علنا.
خامسا: عدم القدرة أحيانا على التخلص من المقاطعات؛ وهذه ظاهرة في برامج الضيوف المتعددين؛ حيث تكون هناك صعوبة للتخلص من مقاطعات الطرف الآخر، وخصوصا إن كان من المشاكسين.
سادسا: الانفعال السلبي؛ حيث يفقد الضيف الإسلامي في كثير من الأحيان في البرامج المتعددة الضيوف السيطرة على عواطفه ونوازعه وأعصابه، ويقع في منطقة المشاحنات والملاسنة مع الطرف الآخر، أو يتوجه إليه بالتهديد والاستخفاف والاستهزاء.
جدل القضايا والشخصيات
وفيما يتعلق بنوعية الضيوف، أشارت الدراسة إلى أنه كان لنوع الضيوف تأثير واضح في نوعية الأداء؛ حيث يتسم أداء القيادات في الغالب بالحكمة والدبلوماسية، والقدرة على تجاوز الأسئلة المحرجة، والقدرة على العرض الجيد، وقوة الرد، ولا ينفي هذا وجود نماذج قوية من غير القيادات أو الشخصيات المشهورة، كما لا ينفي وجود نماذج ضعيفة أيضا؛ ويرجع ذلك إلى خبرة الضيف؛ فالضيوف المشهورون في الفضائيات يأتي أداؤهم قويا.
وحول نوع القضية التي تستضاف فيها الشخصية الإسلامية، أوضحت الدراسة أن لنوع القضية تأثيرا كبيرا؛ فالضيوف المتخصصون يكونون أكثر قدرة على التعامل مع برامج الفضائيات من غير المتخصصين، ففي مجال التأصيل الشرعي وجدت الدراسة أن بعض القيادات السياسية والإدارية تكون إجاباتها ضعيفة، وبالمثل فإن الخبراء في التأصيل الشرعي حين يتطرقون إلى السياسية تأتي ردودهم ضعيفة.
وأشارت الدراسة إلى أن الأداء في الفضائيات يختلف عن الأداء في الوسائل الإعلامية الأخرى؛ حيث تعتمد الفضائيات على الحوار الساخن، والقدرة على الارتجال، والإلمام بتطورات الأحداث السياسية، والقدرة على الإجابة على الأسئلة المحرجة، والمواجهات الشديدة، والاعتراضات غير المعتادة.
وفيما يتعلق بملاحظات تقويم المحاور تقول الدراسة إن الضيوف الإسلاميين من حيث المضمون ينقسمون إلى نوعين: نوع يجيد تأصيل الآراء والمواقف تأصيلا شرعيا، وغالبا ما يكونون من الباحثين الشرعيين أو العلماء، ونوع آخر يفتقر إلى هذا النوع من التأصيل، مع كونهم من القيادات والرموز؛ وهو ما يؤدي إلى الخلط لدى المشاهد، ويرجع ذلك إلى أن الضيف غالبا ما يكون من غير المتخصصين.
وحول الاستطراد والاختزال، نوهت الدراسة إلى وجود نماذج متنوعة؛ فبعض الضيوف يستطرد في إجابته استطرادا يخدم فكرة واحدة، لكنه استطراد إيجابي، وهناك استطراد ضعيف لأنه يخرج عن الفكرة الأساسية مما يشتت الانتباه.
كما أشارت الدراسة إلى أن بعض الضيوف يختزلون العديد من القضايا، سواء بالحكم المطلق على الجميع، أو الحكم في قضية خلافية كبيرة بحكم شخصي يطرح وجهة نظر ذاتية ضيقة.
أما من حيث المعلومات، فيتفاوت الضيوف الإسلاميون؛ فمنهم من يكون على قدر كبير من المعلومات الدقيقة والعميقة، ويقدم للمشاهد المعلومات التي تؤيد كلامه، ومنهم من يفتقر إلى تلك المعلومات في الوقت الذي يتوقع المشاهد منه دقة وعمقا في معلوماته.
ولفتت الدراسة إلى أن نجاح بعض الضيوف الإسلاميين لا يعتمد فقط على ما يقدمونه للمشاهد من معلومات وحجج ووثائق، وإنما على ما يقدمونه من معلومات موثقة عن حقيقة الطرف المضاد، وكلما زادت هذه المعلومات فقد الطرف المضاد مصداقيته لدى المشاهد، وزادت ثقة المشاهد بالضيف الإسلامي، وفي المقابل هناك ضعف وسطحية في المعلومات عند بعض الضيوف.
الإسلاميون وآفة التوثيق
وأكدت الدراسة أن افتقار الإسلاميين للتوثيق يمثل ظاهرة؛ فنادرا ما يقدم الضيف الإسلامي للمشاهد الوثائق، سواء بالإشارة إليها، أو بعرضها في البرنامج، معتمدا على كلام الناس وبعض المعلومات التي تطايرت إلى مسامعه، كما أن كثيرا من الإسلاميين لا يقدمون تلخيصا جيدا لما يريدون أن يوصلوه للمشاهد، فبعد أن ينتهي البرنامج يجد المشاهد نفسه بين أطراف تنازعت الكلام، وقد لا يتذكر منها إلا الكلمات الأخيرة القوية، وهذا الجانب لا يجيده كثير من الإسلاميين.
وفيما يتعلق بخطاب الضيوف الإسلاميين قالت الدراسة إنه يعتمد على المنطق، ثم يأتي بعد ذلك الخطاب المتمازج، ثم العاطفي، ومما يعيب الخطاب المنطقي ضعف العرض، والشرود، والاستطراد السلبي، ونقص المعلومات، كما أن الضيوف لا يملكون القدرة على مواكبة المصطلحات والتعبيرات الخاصة بمجال القضية التي يتكلمون فيها، ومن ثم يلجئون إلى تعبيرات ركيكة وضعيفة، تدل على قلة خبرتهم في المجال.
وفيما يتعلق بالقدرة على التعامل مع الأسئلة المحرجة والمستفزة، أوضحت الدراسة أن لدى الإسلاميين قدرة عالية على تجاوز الأسئلة المحرجة، وأن أسلوبهم يتسم بالتنوع في طريقة التجاوز، فمنهم من يعتمد على عرض الحقائق التي تفند شبهات السؤال أو دعاوى الطرف الآخر، ومنهم من يعتمد على التحليل الشرعي، ومنهم من يستند إلى الردود الدبلوماسية، أو الخبرة السابقة في تحليل الأحداث، أو بتوجيه السؤال نحو قضايا أهم تلفت نظر المشاهد.
واعتبرت الدراسة وقوع الضيف الإسلامي في مواجهات مع بعض مقدمي البرامج أو الأطراف الأخرى قد تكون محاولات لاستصدار تصريح من الضيف بالإدانة لفصيل إسلامي آخر، وقد جاء أداء الإسلاميين إزاء هذه المحاولات متفاوتا؛ فمنهم من يواجه تلك المناورات بمهارة، ومنهم من يقع فريسة سهلة لتك المحاولات.
نتائج الدراسة
وتوصلت الدراسة إلى عدد من النتائج من أهمها:
1- أفسحت الفضائيات المجال للإسلاميين لكي يقولوا كلمتهم، ويعرضوا آراءهم للمشاهدين، وخصوصا مع وجود أصوات قوية للتيارات غير الإسلامية.
2-البرامج التي تستضيف الإسلاميين تتسم بالجودة، كما أنها تعرض لتاريخ الضيف، وأهميته، ومؤلفاته، وحياته العلمية؛ مما يدفع بعض الضيوف إلى إعداد أنفسهم للاشتراك في مثل هذه البرامج.
3-أداء الإسلاميين متفاوت، وهذا التفاوت له أسباب عديدة، فمنها ما هو شخصي، ومنها ما هو راجع لظروف خاصة كعدم وجود متحدث عن التيار إلا بعض القيادات الضعيفة إعلاميا، أو علميا... إلخ.
4- نمط العمل الذي يمارسه الإسلاميون له تأثير كبير على قوتهم أو ضعفهم، مع فرض تحييد العوامل الأخرى؛ فالتيارات التي يغلب عليها العمل السياسي تكون غالبا مفتقرة إلى التأصيل الشرعي الجيد، والتيارات التي يغلب عليها التوجه العلمي الشرعي يغلب عليها الضعف في المجالات السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، والتيارات التي يغلب عليها التوجه الدعوي تفتقر أيضا إلى التأصيل الشرعي.
5- كثير من الإسلاميين، حتى في مجال العمل الإعلامي في الفضائيات، لم يصل بعد إلى المستوى الذي يمكنه من التغلب على التعصب الحزبي، أو التخلي عن السمات الحزبية؛ فالضيف غالبا، إلا في بعض الحالات أو النماذج، يكون واجهة لحزبه أو تياره، مظهرا لغيره من التيارات أو الحركات بصورة سلبية، محاولا ترويج رسالته على حساب تلك التيارات الأخرى.
6- لم يصل الإسلاميون في أغلب الحالات إلى مستوى الأداء المناسب في مجال الفضائيات؛ نظرا لكثرة السلبيات النوعية في الأداء الإعلامي، من حيث محاور المضمون، أو محاور الخطاب، أو محاور التوجيه.
7- أخطر السلبيات التي تواجه أداء الإسلاميين في محاور المضمون: ضعف التأصيل الشرعي، واختزال بعض القضايا المهمة، ونقص المعلومات، والافتقار إلى الوثائق، والضعف في معرفة الخصم وتحليل موقفه، وضعف القدرة على تلخيص الموقف بصورة مركزة، لاسيما في كلمات الختام.
8- أن أخطر السلبيات التي تواجه أداء الإسلاميين في محاور الخطاب هي: ضعف العرض، وعدم القدرة على استعمال العبارات المباشرة، واستعمال الشواهد أو التعبيرات القرآنية في مواضع غير مناسبة، ونقص الخبرة في تعبيرات ومصطلحات المجال الذي تدور حوله المناقشة.
9- أن أخطر السلبيات التي تواجه الإسلاميين في محاور السيطرة على الحوار هي: ضعف توجيه الحوار، وعدم استغلال الفرص المناسبة لخدمة موقفه وتمرير أفكار للمشاهدين، وغلبة الانفعال السلبي على بعض الضيوف، والتأثر ببعض المقاطعات والاستجابة لمضمونها، والانزلاق في أنواع من الشخصنة.
10- أن بعض الإسلاميين يشارك في حوارات مع من يُعرف باستهزائه بالدين، ويستمر في الحوار معه على الرغم من تكرار استهزائه، ومن نتائج ذلك السلبية: إسماع الناس هذا الاستهزاء العلني، وتحول الضيف الإسلامي أمام المشاهدين إلى صورة المتشدد الذي يتهم غيره بالكفر، وتنمية الجرأة لدى الطرف الآخر على الاسترسال في استهزائه.
11- بعض الإسلاميين يتعامل مع الأطراف المخالفة بمنطق التصنيف؛ فهذا معتدل، وهذا متطرف، ويضع الضيف نفسه دائما في خانة المعتدلين على حساب باقي التيارات.
12- بعض الإسلاميين حين يظهرون في الفضائيات لا يراعون الضوابط الشرعية في الحوار والجدال مع المخالف، ويصل بهم عدم الالتزام بتلك الآداب إلى أن يصف الطرف الآخر بأقذع كلمات السباب والشتم، وهذا إن وقع من الطرف الآخر فلا يليق بالضيف الإسلامي أن يزلّ فيه.
13- بعض الإسلاميين يتجرأ على رمي الطرف الآخر بالكفر أو الردة أو الإلحاد، وهذا أقل ما فيه أنه ينفر الطرف الآخر، وينفر المشاهدين من الضيف الإسلامي.
14- القيادات في الغالب تكون أكثر قدرة على المشاركة في مثل تلك البرامج، وهذا لا ينفي وجود نماذج فردية من غير القيادات أو المشهورين تضاهي مستوى القيادات أو قد تتفوق عليها.
15- هناك عوامل قد يكون لها تأثير واضح في أداء الضيف الإسلامي، مثل الظروف الأمنية التي تجعل الضيف يتجنب الخوض في بعض القضايا، أو التعصب للانتماء، أو التأثر بمواقف شخصية مثل الشخصيات المعارضة التي أبعدت من عضوية تيار ما، أو مواقف سياسية، أو توجهات حزبية، أو وجود خلفيات عن أداء الطرف المضاد في برامج سابقة.
16-الكلمات الأخيرة التي تتاح للضيف الإسلامي ينبغي أن يجتهد في صياغتها صياغة قوية ومركزة، ويوجزها في عبارات سريعة؛ لأن المشاهد في الغالب لا يتذكر إلا هذه الكلمات الأخيرة.
17- من أبرز عوامل نجاح الضيف الإسلامي في تلك البرامج: التأصيل الشرعي القوي للقضايا، والمعلومات الدقيقة، ومعرفة الخصم، والعرض القوي، واستعمال نوع الخطاب المناسب.
مراسل موقع إسلاميون في السعودية


منقول

العرب والديمقراطية





منصف المرزوقي


لنبدأ بعملية تنظيف تزيح الوحل الذي يغطي على القطعة الأثرية الثمينة. ثمة الترّهات "الثقافاتوية" التي تسمعها جهرا أو بالتلميح من بعض السياسيين خاصة في أوروبا وعلى وجه التحديد في فرنسا، ويمكن تلخيصها كالآتي:
- نحن الغربيون ديمقراطيون بالغريزة والوراثة الثقافية، وحب الحرية جزء بالغ القدم من تاريخ حضارتنا الوريثة للإغريق وروح أثينا.
- ولأن هذه الديمقراطية نتاج ثقافي للحضارة الغربية، فمحاولة زرعها في أرض جدباء مثل العربية تعسّف على الواقع، خاصة وأن الحرية قيمة مجهولة أو ثانوية عند العرب.
"ثمة ترهات يرددها الغربيون بأنهم ديمقراطيون بالغريزة والوراثة الثقافية وحب الحرية جزء بالغ القدم في تاريخهم, وأن الديمقراطية نتاج ثقافي لحضارتهم ومحاولة زرعها في أرض جدباء مثل العربية تعسّف على الواقع "
هم لا ينتبهون لحقيقة بسيطة وهي أن للإنسان أينما كان نفس الحاجيات، وللشعوب نفس مقومات النهوض وإن تباينت طرق التعبير عنها.
من حسن الحظ أنهم لم يتجاسروا بالقول إننا نحب بصفة غريزية القمع والتسلط والظلم، وإننا نتأقلم مع الاستبداد لدناءة أو ضعف في تكويننا الحضاري.
مؤكّد ألا أحد منهم سمع بصرخة عمر "متى استعبدتم الناس" وقبله بصرخة عنترة العبد لا يحارب، وردّ أبيه "كرّ وأنت حرّ" ولا بعشق الشعراء الصعاليك لحرية شارفت الفوضوية قبل اكتشافها بألف سنة من نيتشه وستيرنر.
الأخطر من هذا جهل هؤلاء الأدعياء بتاريخهم حيث يجهلون أو يتجاهلون شراسة الحرب التي ووجهت بها الديمقراطية طيلة القرن الـ19 والعشرين في أغلب البلدان الغربية، كما لا يتساءلون ما السبب في كون أعتى الدكتاتوريات التي عرفها العالم هي النازية والفاشية والستالينية، أو لماذا انبطحت شعوب غربية عريقة مثل الشعب الألماني والإيطالي وحتى الفرنسي أمام أنظمة دكتاتورية لم تخلصها منها ثوراتها وإنما الحرب، أو لماذا لم تعرف إسبانيا والبرتغال واليونان الديمقراطية إلا عقودا بعد الهند.
وعلى ذكر اليونان والإغريق، كم مضحك أن نرى شعوبا سميت طويلا بالبرابرة تخلق لها صلة نسب روحي وثقافي خيالي بشعب متوسطي هو أقرب لنا منها. بالطبع لا أحد تساءل عمّن حفظ لأوروبا الغربية تراثها غير العرب. أضف لهذا أن ما يتناساه بناة ميثولوجيا الأصول النبيلة أن أثينا التي يربطون بها ديمقراطيتهم كانت أرستقراطية موسعة وليس ديمقراطية، وأن الإغريق جربوا أيضا أبشع الأنظمة الدكتاتورية مثل سباراتا، بل كان هذا النموذج هو الذي حافظوا عليه طيلة التاريخ، لأن أثينا كانت الشاذة لا القاعدة.
***ثمة ثانيا الترّهات التي تسمعها من قبل السياسيين الأميركيين مثل بوش وقوله "واجب أميركا نشر الديمقراطية". أمر مضحك من قبل أناس أسقطوا الديمقراطية في إيران مصدّق وحاربوها في تشيلي أليندي ورفضوا الاعتراف بها في الجزائر وفلسطين، شعارهم نحن مع الديمقراطية إذا تماشت مع مصالحنا ومع الدكتاتورية إذا تماشت معها، وضد الأولى والثانية في الحالة المعاكسة.
ما كان السيد بوش يجهله بداهة أن المجتمعات العربية لم تنتظر يوما من أحد أن يأتيها بالديمقراطية أو بالتقدّم أو بحبّ النكتة والموسيقى والأطفال، إنها بعد هزيمة 67، دخلت في غليان كبير أنتج من جهة الحركة الإسلامية، ومن جهة أخرى حركة ديمقراطية عربية أصيلة ناضلت ثلاثين سنة ضد دكتاتوريات مدعومة من الولايات المتحدة ودفعت ثمنا باهظا لهذا النضال ولا تزال، ولما دخلت أميركا العراق بحجة نشر الديمقرطية كادت أن تدمّر حصاد ثلاثة عقود من عمل الديمقراطيين العرب وهي تجعل كلمة الديمقراطية نفسها ممجوجة ومشبوهة عند كل عربي.
***أخيرا لا آخرا، الترّهات التي تسمعها من العرب أنفسهم وأهمها رجع الصدى لموقف العنصريين الثقافيين الغربيين، أي أن الديمقراطية بدعة غربية ومنافية لثقافتنا العربية الإسلامية ولا أحد من هؤلاء "المتجذرين في الهوية" انتبه لمغزى رفض الرسول (صلى الله عليه وسلم) تسمية أحد لخلافته ولو من أهله، ومغزى قوله {أمركم شورى بينكم} أو معنى تعيين الخلفاء الراشدين الأربعة بنوع من الانتخاب.
"الكثير من العرب يختزلون الديمقراطية في الانتخابات وهي مجرد دعامة من الدعامات الأربع(الحريات الفردية والعامة واستقلال القضاء والانتخابات الدورية) والمؤمنون بها لا يفهمون أنها ليست العصا السحرية لكل مشاكلنا "
الأخطر من هذا ما تسمعه من بعض الإسلاميين الذين اشتموا من الديمقراطية طريقا ممكنا للوصول للحكم، ولسان الحال يقول بعدها سنرى كيف سنطبق "ديمقراطيا" الشريعة وحتى كيف نلغي الديمقراطية بالديمقراطية.
ما لم يفهموه أن هذه الأخيرة مثل محرّك مكوّن من أربع قطع غيار لا تعمل إلا بالتناغم، وبوجودها الضروري مجتمعة وهي الحريات الفردية والحريات العامة واستقلال القضاء والانتخابات الدورية التي تنظّم التداول على السلطة. مما يعني أن شرعية حكم أغلبية برلمانية، مؤقتة بالضرورة، مرتبطة باحترام باقي "قطع غيار المحرك" وإلا انتهت الديمقراطية كما ينتهي المحرك إن اقتلعت منه ثلاث قطع على الأربع الضرورية لتشغيله.
وعموما فإن الكثير من العرب يختزلون الديمقراطية في الانتخابات، وهي مجرد دعامة من الدعامات الأربع، والمؤمنون بها لا يفهمون أنها ليست العصا السحرية لكل مشاكلنا وإنما شرط ضروري، لكن غير كاف للحكم الرشيد والتعامل الأنجع مع مشاكلنا.
***والآن وقد أزلنا وحل الترهات، ما الذي يمكن أن يقوله خطاب مسؤول وموضوعي عن الديمقراطية والعرب؟
ثمة طريقان متكاملان لتشخيص هكذا، والأول يبدأ بمقاربة أنثربولوجية بالردّ على أسئلة تتعلق بالفاعلين، أي من هم الديمقراطيون العرب وما هي دوافعهم وكيف يستعملون الديمقراطية لتحقيق مآرب تحوم كما هي العادة في السياسة حول السعي وراء المصالح عامة والمكاسب خاصة مع تغيير في سلّم الأولويات حسب الأشخاص وعند نفس الشخص حسب الظروف؟
قد يكون تحديد أصولهم أهم مدخل لأنه يعطينا فكرة عن دوافعهم العميقة وتوجهاتهم المستقبلية.
من هذا المنظور يمكن تصنيفهم إلى ثلاث عائلات.- المنشقون عن الحزب الواحد (أساسا الحزب الحاكم) بعد اكتشاف حدوده، وانتقاله التدريجي من حزب مناضل طلائعي إلى تجمع انتهازيين يجرون فقط وراء مصالحهم الذاتية تحت غطاء خدمة المصلحة العامّة.
- المؤلفة قلوبهم وهم كل من أتوا للديمقراطية دون المرور بحزب حاكم في طور التحلّل، أغلب الوقت كردّة فعل على موبقات النظام الاستبدادي ومنهم الجزء الوسطي للإسلاميين.
- المزيفون وهم كل من وضعهم الاستبداد في الواجهة لتنظيم دكتاتورية ديمقراطية على المقاس. لقائل أن يقول كيف يعدّ هؤلاء ديمقراطيين. ما يجهله الكثير ان المخابرات، خاصة في مصر وتونس والجزائر والمغرب اصطنعت عددا كبيرا من الأحزاب "الديمقراطية" لتلعب لعبة التعددية والعصرانية، لكنها خدمت الديمقراطية من حيث لا تدري حيث ربت الناس من خلال التعامل مع تزييف بدائي ومفضوح على قدرة التمييز ومعرفة كل آليات التزييف الانتخابي مثلا.
"ساهم الديمقراطيون العرب بخلق العديد من الأحزاب والجمعيات المدنية وإشاعة المفاهيم والقيم الديمقراطية وفرض خطابها حتى على أعتى الدكتاتوريات، لكن كل هذا لا يمنع الاستبداد من التواصل في الحكم من الخليج إلى المحيط"
هذا ما يفسّر السهولة الكبرى التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية في موريتانيا سنة 2007، وأذكر أن أصدقائي الموريتانيين انفجروا بالضحك أمام استغرابي قائلين" خبرنا كل أصناف التزوير طيلة عقدين من الزمان والآن نعرف كل ما يجب عمله.
السؤال الآن: ماذا حقق الديمقراطيون العرب ماضيا وما مدى قدرتهم مستقبلا على تمكين النظام الديمقراطي من مقاليد الدولة ثم الجتمع؟ بداهة هم فعلوا الكثير بخلق العديد من الأحزاب والجمعيات المدنية وإشاعة المفاهيم والقيم الديمقراطية وفرض خطابها حتى على أعتى الدكتاتوريات، لكن كل هذا لا يمنع الاستبداد من التواصل في الحكم من الخليج إلى المحيط.. هل معنى هذا أنهم كانوا مجرّد ظاهرة صوتية وأن الديمقراطية مجرّد حلم جميل؟
***المدخل الثاني للتشخيص هو تسليط الضوء على "الشيء" الذي نناضل نحن الديمقراطيين العرب لفرضه.
لنبدأ أولا بتحديد ماهيته، علما بأن الديمقراطية تحتمل أكثر من تعريف. لكننا نستطيع دون مجانبة الصواب القول إنها بالأساس أخلاقيات وآليات.
هي أخلاقيات حاكم يقبل أن السلطة ليست غنيمة حرب يتوزعها هو وبطانته، إنها وظيفة وليست امتيازا، وأنه ليس مخلدا فيها ويجب أن يقبل بسنة التداول السلمي، وأن شرفه في القيام بخدمة المجتمع لا في جعل المجتمع في خدمته هو.
هي أخلاقيات مجتمع يقبل بالتعددية الفكرية والسياسية والثقافية داخله، ويحاول تنظيم التعايش بين مختلف مكوناته بالوسائل المدنية، ومنها الحرب السلمية التي تمثلها الانتخابات والتي تنقل الصراع من المستوى الدموي إلى الرمزي.
الديمقراطية هي أيضا آليات حكم تترجم لهذه القيم، وهي قطع الغيار الأربع التي سبق وتحدثنا عنها، أي الحريات الفردية كالحق في الحياة الخاصة بعيدا عن عيون المخبرين، والحريات العامة كحق المعتقد والتنظيم والرأي، يضاف إليها التداول السلمي على السلطة عبر انتخابات بلا وصف أو بين ظفرين.. أخيرا لا آخر استقلال القضاء.
التشخيص العلمي الوحيد هو أخذ كل مجتمع عربي حالة بحالة، ومحاولة معرفة أين هو من هذه المؤشرات الذاتية والموضوعية. آنذاك سنكتشف فروقات هائلة بين بلد وآخر وثوابت مشتركة.
من أهم هذه الثوابت أن أخلاقيات الحكم الديمقراطي منعدمة، لكن حدة الغياب هذه تولّد تطلبا بنفس الحدّة، فالمجتمعات العربية ترنو كلها لحكم ديمقراطي وقد أعطت الدكتاتوريات الفاسدة عن نفسها أبشع الصور.
كذلك لا شكّ أن مجتمعاتنا صارت أقرب لقبول التصريف السلمي لمكوناتها المختلفة من إغراء فرض الإجماع المزيف وسيطرة النمط الواحد، خاصة بعد كارثة الأنظمة الشمولية وما أوصلتنا إليه من وصاية وإقصاء حتى لا نقول من وصاية وإخصاء.
هذا التوق هو قوّة الدفع الهائلة التي تتغذى منه الحركة الديمقراطية والإسلامية على حدّ السواء، ولن تقف أمامها طويلا أجهزة قمعية محبطة وغير مقتنعة بما تعلم أنها تحمي مصالح خسيسة لا مشروعا سياسيا كما في الستينيات، وفي كل الحالات هي كمن يحاول اعتراض تيار هادر بسدّ من القشّ.
"بعيدا عن التبسيط، فالعرب لا يعيشون في الظلام الدامس للاستبداد بل إن الديمقراطية تتقدم عندنا بخطى متسارعة، وقد قطعنا أكثر من نصف الطريق نتيجة تضافر قوة دفع المطلب الأخلاقي وطاقات التكنولوجيا الحديثة وزخم التطورات الاجتماعية "
ماذا عن حالة الآليات؟ هل يوجد اليوم نظام واحد له قدرة دكتاتوريات الستينات على فرض تنظيم الحزب الواحد وبروبغندا الإذاعة والتلفزيون الوطني. كل هذا ذهب مع الريح بفضل التطور الاجتماعي الذي رفع مستوى التعليم والوعي، وتطور التكنولوجيا الحديثة التي فرضت تحرّر المعلومات وانتصار حرية الرأي، وكسرت لغير رجعة المونوبول الأيديولوجي وهو حجر الزاوية في كل دكتاتورية.
تبقي معركة التداول السلمي على السلطة وهي أيضا تتقدم باستمرار حيث هي محتدمة بشدة اليوم في مصر وتونس والجزائر وموريتانيا. فبعد عصور من الأحادية "المقدسة" نجحت النضالات الاجتماعية في زحزحة الاستبداد ليمر من انتخابات أشبه بالبيعة إلى التعددية المزيفة. هذه الفترة طالت أو قصرت مؤهلة للانتهاء لتليها التعددية الحقيقية. وحال سقوط قلعة الانتخابات المفبركة سنمرّ بسهولة من الغين إلى القاف أي من القضاء المستغلّ إلى القضاء المستقلّ.
بديهي إذن لمن يتمعن في الظواهر بعيدا عن التبسيط أن العرب لا يعيشون في الظلام الدامس للاستبداد، بل إن الديمقراطية تتقدم عندنا بخطى متسارعة، وقد قطعنا أكثر من نصف الطريق نتيجة تضافر قوة دفع المطلب الأخلاقي وطاقات التكنولوجيا الحديثة وزخم التطورات الاجتماعية، ناهيك عن تأثير "العدوى" الخارجية.
***هل معنى هذا أنها ستنتصر بصفة حتمية؟ ما يعلمنا التاريخ أن كل مسار يمكن أن يتوقف وأن ينتكس، أن يتيه في المستنقعات مثلما يمكن أن يتواصل لأهداف ليست بالضبط ما خططنا له.
كم سخر الواقع من أوهام حتمية تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية. لكن هذا القانون ساري المفعول على القوى الأخرى التي تتصارع داخل مجتمعاتنا، مما يعني أنه لا حتمية لبقاء الدكتاتورية ولانتصار إسلام سياسي يعيد إنتاج الاستبداد وإن بقناع أيديولوجي آخر.
ما يمكن قوله الآن إن المشروع الديمقراطي العربي في حالة مدّ خفي يغطي عليه المدّ الصارخ للتيار الإسلامي، وإنه ينحت في العمق مجتمعاتنا بكيفية لا تتضح للملاحظة السطحية، علما بأن المستقبل قد يكون حافلا بالمفاجآت غير السارة لكل الأطراف، والقدر تغلي بكيفية مثيرة للقلق بنار الأزمة الاقتصادية العالمية التي يمكن أن تدفعنا لحالة غير مسبوقة من الفوضى.
كما يمكن أن يتمخض المستقبل عن أشكال جديدة من الأنظمة السياسية نتيجة تلاقح ندعو إليه بقوة بين الإسلام السياسي المعتدل وديمقراطية تتخلص من كل تبعية فكرية للغرب وخاصة للتطرف اللائيكي الفرنسي، لكي يمكن توطين الديمقراطية في تربة مهيأة لها أكثر مما يتصور الكثير من دعاة صراع الحضارات.
الخيارات مفتوحة ولا حتمية إلا لعدم الحتمية.

المصدر:
الجزيرة

الملامح العامة للتطورات السياسية في شطري اليمن (1962 ــ 1978م)




أولا : التطورات السياسية والاجتماعية في الجمهورية العربية اليمنية (سابقا):في اليمن

كنا الأسبوع الماضي قد نشرنا الحلقة الأولى من كتاب الإخوان المسلمين، والتي تضمنت نبذة عن الكتاب بقلم المؤلف، ومقدمة الكتاب، ومحتوياته.
وفي الحلقة الثانية نبدأ بنشر الفصل الأول من الكتاب. ونكرر هنا الإشارة إلى أننا لن ننشر الهوامش والمراجع التي اعتمد عليها الكاتب في بعض المعلومات لصعوبة تنسيقها كما هو الحال في الكتاب، حيث يمكن إحالة القارئي لمرجع المعلومة االمذكورة في نفس الصفحة من الكتاب، وهو ما يتعذر علينا فعله هنا. وقد ننشرها في نهاية الحلقات احتراماً وحفاظاً على الحق الفكري، أو يمكن الإشارة لها في مقدمة كل حلقة.
إلى الحلقة الثانية التي تتضمن مقدمة الفصل الأول، ومقدمة المبحث الأول من هذا الفصل، والذي يتناول فيه المؤلف الأستاذ ناصر الطويل، الملامح العامة للتطورات السياسية في شطري اليمن (1962 ــ 1978م).


الفصل الأول
البناء الفكري والسياسي للنظام السياسي والحركة الإسلامية في اليمن

سنتناول في هذا الفصل عرضاً تحليلياً لنشأة وتطور كل من نظام الرئيس علي عبد الله صالح الذي تأسس مع وصوله إلى السلطة في الشمال في عام 1978م, وطبيعة التطورات التي لحقت به في البعدين الهيكلي والفكري في مرحلة الثمانينيات وبعد قيام الوحدة, وأبرز الخصائص العامة لهذا النظام, وطبيعة التحديات التي تواجهه, ونفس الأمر- وإن بشكل أقل- سنتتبع أبرز التطورات التي لحقت بنظام الحزب الاشتراكي في جنوب اليمن, وانعكاسات كل ذلك على علاقة نظامي دولتي اليمن في مرحلة التشطير ونظام اليمن الموحد بالحركة الإسلامية الإخوانية.
وفي السياق ذاته, سنتتبع مراحل نشوء وتطور حركة الإخوان المسلمين في شطري اليمن وأهم التطورات التنظيمية والفكرية والحركية التي لحقت بها, وطبيعة التحولات والتحديات التي واجهتها في مرحلتي ما قبل الوحدة وما بعدها.
غير أننا قبل ذلك سنقدم عرضا موجزا لأهم التطورات السياسية في شطري اليمن منذ قيام الثورة وإعلان الجمهورية في شمال اليمن في 26 سبتمبر 1962م, وخروج الاستعمار البريطاني من جنوبه في نوفمبر 1967م وحتى عام 1978م, وهو العام الذي تنطلق منه الدراسة, وذلك لأن الأحداث التي شهدتها اليمن في مرحلة الثمانينيات وما بعدها تعد امتداداً للتطورات السياسية والاجتماعية للمراحل الزمنية التي سبقت ذلك.

وعلى ذلك فإن هذا الفصل يتكون من ثلاثة مباحث, هي:
المبحث الأول: الملامح العامة للتطورات السياسية في شطري اليمن (1962-1978م).
المبحث الثاني: النظام السياسي: البناء والتطور.
المبحث الثالث: نشوء وتطور حركة الإخوان المسلمين في اليمن.



المبحث الأول: الملامح العامة للتطورات السياسية في شطري اليمن (1962 ــ 1978م)

مقدمة:
شهد شطرا اليمن بعد قيام النظام الجمهوري في الشطر الشمالي, وجلاء الاستعمار البريطاني من الشطر الجنوبي تطورات سياسية واجتماعية متسارعة, فقد تحول شمال البلاد إلى ساحة لحرب أهلية وإقليمية لفترة سبع سنوات متواصلة, صاحبها وترتب عليها تجاذب بين القوى السياسية والاجتماعية حول هوية النظام السياسي وعقيدته السياسية وتوجهاته الداخلية والخارجية، وعلى خلاف ذلك فَرض الإتجاه اليساري الماركسي هويته على النظام الجديد في الجنوب, فقد استحوذت الجبهة القومية على السلطة بعد خروج المستعمر, وتعرضت لتحولات فكرية جذرية حلت فيها الأفكار اليسارية الماركسية محل الأفكار القومية, وأنشئت الدولة الماركسية الوحيدة في الوطن العربي, وهنا سنعرض أبرز التطورات السياسية فيما كان يعرف باليمن الشمالية واليمن الجنوبية.
أولا : التطورات السياسية والاجتماعية في الجمهورية العربية اليمنية (سابقا):
شهدت الجمهورية العربية اليمنية بعد قيام ثورة سبتمبر عام 1962م وحتى عام 1978م تحولات سياسية واجتماعية غير مسبوقة, مقارنةً بحالة الجمود والعزلة التي كانت أبرز معالم حكم الأئمة, فقد تعرض النظام الجمهوري لمخاطر وتحديات عسكرية وسياسية كادت أن تعصف به أثناء الحرب الأهلية, وبداخله حدث تباين واستقطاب لأسباب تتعلق بهويته الفكرية وتوجهاته السياسية وعلاقاته الخارجية, وظل يعاني من غياب الاستقرار طوال تلك الفترة.

(أ) التجاذب حول الهوية السياسية والفكرية للنظام الجمهوري:
انسحب المناخ الفكري والسياسي الذي كان سائداً في المنطقة العربية في عقد الستينيات إلى شمال اليمن, وهو مناخ اتسم بالصراع بين ما كان يعرف بالأفكار والنظم التقدمية( القومية واليسارية), والأفكار والنظم المحافظة, وانزلق بعض أنصار النظام الجمهوري إلى بعض الممارسات التي صورت الثورة وكأنها ضد كل ما هو متصل بالماضي, بما في ذلك الثوابت الدينية والأعراف القبلية, وسعوا إلى إظهار الثورة بالمظهر القومي المتطرف, "وكان من الطبيعي أن يكون لهذا التطرف اليساري، الذي علا صوته في صنعاء بعد الثورة، آثاراً سيئةً, فقد تمكن الملكيون من كسب ولاء قبائل عديدة معروفة بالبأس والشدة, وأثاروا مخاوفهم حول الخطاب الرسمي والحزبي الذي كان يصف القبلية بالرجعية والتخلف, ويطالب بالقضاء عليها .. كما استفادوا من التطرف اليساري في تصوير الثـورة بأنها ضد الإسلام .
وانحازت قيادة النظام الجمهوري إلى ما كان يعرف في وقتها بالمعسكر الثوري التقدمي, واستفزت ببعض مواقفها وتصرفاتها المملكة العربية السعودية, واتجه الرئيس السلال إلى الإمساك بخيوط السلطة- والتي لم تكن بيده عمليا- والإنفراد بالقرار, ومدت القوى السياسية اليسارية والقومية نفوذها على معظم أجهزة الدولة الناشئة, وكل ذلك في سياق حرب أهلية متواصلة بين المعسكرين, الجمهوري الذي تدعمه القوات المصرية, والملكي الذي تقف خلفه المملكة العربية السعودية.
أخذ الصف الجمهوري يتمايز إلى تيارين, الأول يمثل القوى الراديكالية, ويقوده الرئيس السلال وبعض الضباط, والقوى السياسية المنظمة, وتحديداً حركة القوميين العرب, ويتكتل في التيار الثاني القيادات التاريخية للنضال اليمني من حزب الأحرار, وفي مقدمتهم القاضي محمد محمود الزبيري, وأحمد محمد نعمان, وعبد الرحمن الإرياني, وعدد من مشائخ اليمن, وحزب البعث وأعضاء تنظيم الإخوان المسلمين.
تباينت رؤية الطرفين حول كيفية مواجهة الحرب، فقد كان جناح السلال يدعو إلى الاستمرار في القتال والحرب حتى النهاية, فيما كان جناح الزبيري والنعمان والإرياني يرى أن الحرب ليست ضرورة قدرية, وحول أسلوب إدارة الدولة، وضرورة تصحيح مسار الثورة وجعلها شوروية وجماعية , وعلى الرغم من أن الأستاذ محمد محمود الزبيري لم يكن يتولى منصباً رئيسياً في النظام الجمهوري الجديد إلا أن شخصيته ودوره التاريخي النضالي ومكانته في قلوب اليمنيين، بما فيهم المتحمسون للملكية، كانت تجعله قطب الرحى في صنعاء، وتلقى توجيهاته وآراؤه تجاوباً حماسياً من الجميع.
اتسعت الهوة بين جناحي التطرف والاعتدال داخل الصف الجمهوري, وكان أحد أسباب الخلاف الرئيسة يدور حول الهوية السياسية والفكرية للنظام الجمهوري وطريقة إدارته, فالزبيري والتيار الذي يقوده, وهو التيار الغالب, كانا يسعان إلى "إعادة الوجه الصحيح للثورة اليمنية من خلال التأكيد على الهوية الإسلامية لها، واحترام دور القبائل اليمنية في الدفاع عن الثورة، وضرورة تقوية هذا الدور من خلال مخاطبة اليمنيين باللغة الإسلامية التي يفهمونها و يحترمونها" , في حين أن التيار الآخر كان يريد نظاماً سياسياً على غرار ما هو موجود في النظم العربية التقدمية في ذلك الوقت, وبخاصة في مصر.
اتكأ جناح السلال على القوات والأجهزة العربية المصرية, والتي كانت صاحبة القرار الحقيقي, وفي مقابل ذلك لجأ الزبيري ورفاقه إلى الضغط من خلال المؤتمرات الشعبية, فقد تم جمع الزعامات القبلية والدينية والسياسية في اليمن في مؤتمر عمران عام 1964م, وعندما لم تنفذ قراراته, خرج الزبيري من صنعاء, وطلب من أعضاء الحكومة تقديم استقالاتهم, واتجه صوب القبائل لكسب تأييدها, وفي منطقة برط, أعلن عن تأسيس حزب الله, ودعا الزعامات اليمنية من الصفين الجمهوري والملكي إلى مؤتمر شعبي جديد, تُطرح فيه مطالب اليمنيين.
اغتيل القاضي الزبيري في 31/3/1965م, وانعقد مؤتمر خَمِر في نفس العام, وفيه تم وضع الدستور الدائم, والذي أكد على الهوية الإسلامية الكاملة للشعب اليمني, وأعاد بناء النظام السياسي على النحو الذي يمنع الاستفراد بالحكم.
تعززت مكانة التيار الإصلاحي بعد خروج القوات العربية المصرية والإطاحة بالرئيس السلال, حيث تولى القاضي عبد الرحمن الإرياني رئاسة السلطة, وجرى تثبيت رؤية هذا التيار حول عقيدة النظام السياسي وتوجهاته الداخلية والخارجية في الدستور الدائم, الذي تم إقراره في 28/12/1970م, والمؤسسات السياسية التي تم تشكيلها, ومع هذا فقد تحول النزاع حول الهوية السياسية والفكرية للنظام إلى صراع مسلح بين السلطة السياسية والتنظيمات اليسارية, في شكل أعمال عنف تركزت في بعض المناطق وسط وجنوب اليمن الشمالية, فيما عرف بحرب المناطق الوسطى, ومثّل استمرار الحرب في بعض جوانبها صورة من صور التنازع حول هوية النظام السياسي الجمهوري, والذي لم يُحسم إلا بعد ضرب القدرات العسكرية للتنظيم اليساري في أوائل الثمانينيات, وهيمنة ما عرف بالأيديولوجية "الإسلامية الوطنية" كعقيدة سياسية وفكرية للنظام الذي يقوده الرئيس علي عبد الله صالح في مواجهة الأيديولوجية الاشتراكية لنظام الحزب الاشتراكي في الجنوب.
(ب) ـــ نشوء وتطور القوى والتيارات السياسية :
انتقلت التيارات السياسية اليسارية والقومية إلى اليمن في العقدين الخامس والسادس من القرن العشرين, فقد ظهرت في تعز عام 1958م الحلقة الأولى للاتجاه الماركسي الذي كان قد تأسس في عدن على يد عبدالله عبد الرزاق باذيب عام 1953م, وتلك الحلقة التي شكلت في الفترة اللاحقة حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي في اليمن الجنوبي, وفي عام 1959م تكوّن في كل من شطري اليمن الشمالي والجنوبي فرعان لحركة القوميين العرب, التي كان مركزها الرئيسي في بيروت, فيما تم تأسيس فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في عدن عام 1956م, وفي الشمال عام 1958م .
كان لأعضاء حزب البعث دور في التخطيط لثورة 26 سبتمبر, غير أنهم تعرضوا للاضطهاد في عهد الرئيس السلال من قبل أجهزة الأمن المصرية, على خلفية الصراع الذي كان محتدماً آنذاك بين البعثيين ونظام الرئيس جمال عبد الناصر, ولهذا ظل البعث قريباً من رموز التيار الإصلاحي بقيادة الأستاذ محمد محمود الزبيري , وساهم حزب البعث في الانقلاب الأبيض الذي أوصل القاضي عبد الرحمن الإرياني إلى السلطة, ونشط في عهده, وكان البعثيون مقربين من الإرياني, الذي أسند رئاسة الحكومة أكثر من مرة للأستاذ محسن العيني المعروف بانتمائه للبعث, وكانوا يمثلون قوة كبيرة, ولم يحد من هيمنتهم على السلطة إلا النفوذ الكبير لمشائخ القبائل ومنافسة الإخوان المسلمين, إلى جانب الضغوط التي كانت تمارسها الرياض.
أما الرئيس إبراهيم الحمدي فقد رأى أن تثبيت نظامه يتطلب تحجيم قوة حزب البعث, خاصة وأن عدداً من قياداته تجمع بين الانتماء السياسي للحزب والنفوذ العسكري والقبلي, فعمل على التخلص من تلك القيادات, تحت لافتة القضاء على مراكز النفوذ, وهكذا تم إقصاء الأستاذ محسن العيني من رئاسة الحكومة, وإزاحة أسرة آل "أبو لحوم" من مجلس قيادة الثورة, وقيادة بعض وحدات الجيش.
أما حركة القوميين العرب فقد "بات متفقاً على أن الخلية الأولى لها, قد تشكلت في منطقة الشيخ عثمان بعدن عام1959م, ثم نشأت بعد قليل خلية مماثلة في شمال اليمن" , وقد تمكنت خليتها الأولى من السيطرة -إبان حكم الإمامة- على نقابة العمال الوحيدة في شمال اليمن, وبفضل هذه السيطرة تمكنت من تشكيل لجنة شعبية استولت على مدينة تعز عشية إعلان الجمهورية.
وفي إطار تخطيطها المبكر للاستيلاء على السلطة, زجت حركة القوميين العرب بكوادرها في كلية صنعاء العسكرية, وأخذت تبني خلاياها في الجيش من خلال انخراطها مع الآلاف, لاسيما من جنوب اليمن في الحرس الوطني, وكان لها نفوذ واسع في أجهزة الإعلام والمدارس والجهاز الإداري للدولة , وقد وقف أعضاؤها والناصريون في الصف المؤيد للسلال, وكانوا من أنشط المتعاونين مع الخبراء والمستشارين المصريين, وعلى هذا الأساس أتيحت لهم, وللمنظمات الاجتماعية الخاضعة لنفوذهم (النقابات, اتحاد الطلاب, وبعض النوادي الرياضية) الإمكانية لممارسة النشاط السياسي العلني .
استفاد القوميون العرب في اليمن من الدعم الذي قدمته القوات والأجهزة المصرية, لاسيما في السنوات الأولى التي تلت قيام الثورة, غير أن تلك العلاقة لم تستمر إذ تعرضت للتدهور لأسباب عديدة منها: استياء القوميين العرب من التعامل البيروقراطي للأجهزة المصرية, وخوفهم من خروج القوات المصرية إذا ما توصلت القاهرة والرياض إلى اتفاق بشأن إنهاء الحرب الأهلية في اليمن, والتحولات اليسارية التي كانت تعتمل داخل الحركة الأم, والتحول الذي طرأ على علاقتها بالرئيس عبد الناصر, ومع ذلك فقد كانت حركة القوميين العرب بشمال اليمن من أكثر المتضررين بعد خروج القوات المصرية من اليمن, على إثر هزيمة حزيران 1967م, فقد أُقصي الرئيس السلال والعناصر الراديكالية القريبة من حركة القوميين العرب من السلطة, وحل محلهم رموز التيار السياسي المعتدل.
تنامت الميول الماركسية بشكل سريع داخل حركة القوميين العرب في شمال اليمن, وفي يوليو 1968م قطعت علاقتها بشكل كلي مع حركة القوميين العرب "الأم", وتبنت الماركسية وغيرت اسمها إلى "الحزب الديمقراطي الثوري اليمني", وتم تعريفه بأنه "طليعة عمالية تلتزم بالماركسية اللينينية, ويهتدي بها في نضاله, ويعمل بدأب من أجل خلق الحزب الشيوعي اليمني الواحد, وتبنت استراتيجية حرب التحرير الشعبية لإسقاط نظام" الرئيس عبد الرحمن الإرياني وحركة نوفمبر الذي وصفتها بالرجعية.
وعموما فقد سارت التطورات السياسية باتجاه حدوث صدام مسلح بين الحزب الثوري الديمقراطي ـ القوميين العرب سابقا ـ وبين السلطات السياسية الرسمية, فقد تعاظمت قوة هذا الحزب من خلال تشكيله لفرق المقاومة, وسيطر أعضاؤه على وحدات عسكرية حيوية في الجيش (المظلات, الصاعقة, والمدفعية), وبرزت إجراءاته المكشوفة للاستيلاء على السلطة، فقد دفع بأعضائه في الأرياف للتمرد والعصيان المسلح, كما برزت- أثناء حصار صنعاء وبعده- الروابط القوية بين الجبهة القومية الحاكمة في الجنوب وأنصار الحزب الثوري الديمقراطي اليمني, وهو ما أثار مخاوف السلطة السياسية والقيادات الاجتماعية في صنعاء من مخاطر سيطرة اليسار على السلطة في شمال اليمن, كما هو الحال في الجنوب, وخلال "يومين جرت معارك ضارية في مدينة صنعاء بين وحدات وتشكيلات الجمهوريين بمختلف توجهاتهم السياسية أنصار الجناح اليساري الراديكالي وبين العناصر المحافظة والمعتدلة الموالية للعمري" , وقد حسمت المعركة في نهاية الأمر لصالح القوات المسلحة التابعة للقيادة السياسية الرسمية, وتم إلقاء القبض على عدد من قيادات التنظيمات اليسارية, فيما فر آخرون باتجاه الجنوب, وعاد كثيرٌ منهم إلى مناطقهم ليقودوا تمرداً مسلحاً ضد السلطة والزعامات الاجتماعية في شمال اليمن, فيما عُرف بحرب المناطق الوسطى والتي استمرت حتى عام 1983م.
وفي 25 يناير 1971م تمكنت العناصر اليسارية المتطرفة في الجبهة القومية الحاكمة في الجنوب, وبالتعاون مع أجهزة المخابرات الألمانية الشرقية, من إنشاء منظمة المقاومين الثوريين اليمنيين, برئاسة "ناصر السعيد", وضمت المنظمة غلاة الماركسيين الذين انشقوا عن الحزب الديمقراطي الثوري اليمني, لتقوم بالأعمال المسلحة "لإسقاط السلطة في الشمال, واستعادة الأراضي المحتلة من قبل المملكة العربية السعودية, ومقاومة سلطة الإقطاع والبرجوازية " .
كانت هذه المنظمة أول من استخدم العمل المسلح المنظم ضد السلطات المركزية والمحلية في اليمن الشمالي في منطقة (دَمت), وعُرف عنها إسرافها في استخدام الأعمال الإرهابية ضد الأهالي والمواطنين بوجه عام, والعلماء والمشايخ القبليين, ومن يعترض أفكارها من المثقفين بوجه خاص, فقد أقدمت على تسميم آبار الشرب, واغتيال المشايخ والعلماء, وخطف عدد من المواطنين, وزرع الألغام وهدم البيوت والمنازل, وإحراق المحاصيل الزراعية, وبث الشائعات لإرعاب المواطنين, وإجبارهم على التعاون مع أعضائها, وفي مطلع السبعينيات تأسس أيضا حزب العمل اليمني كحزب ماركسي" جديد, وكان فرع من حزب البعث قد انشق وقطع صلته بالقيادة القومية للحزب في سوريا, وتبنى الماركسية, وأطلق على نفسه اسم" حزب الطليعة الشعبية", في خطوات متزامنة مع ما يحدث لفرع الحزب في عدن.
وفي أوائل السبعينيات أيضاً "بدأت بعض العناصر القيادية في التنظيمات اليسارية في حزب البعث, والحزب الديمقراطي الثوري اليمني, وحزب الشعب الديمقراطي, تطرح ضرورة الحوار لمحاولة توحيد القوى اليسارية, وقد بدأ الحوار بين تلك الفصائل عام1970م, واستمر حتى عام 1976م, كان الحوار يستهدف الوصول إلى صيغة ما للعمل الوحدوي, في محاولة للحد من نفوذ القوى التقليدية, ومن خارج فصائل اليسار انضم إلى الحوار حزب البعث العربي الاشتراكي المرتبط بالقيادة القومية بالعراق , كان هذا الحوار يتم بالتوازي مع حوار آخر بين فصائل اليسار في الجنوب, بهدف تشكيل التنظيم السياسي الطليعي, وتقرر إقامة حوار واحد بين مختلف فصائل اليسار في اليمن كله (شماله وجنوبه), فتم في عدن عام 1973م, وضم من الجنوب, الجبهة القومية, وحزب الطليعة الشعبية, واتحاد الشعب الديمقراطي, وضم من الشمال, الحزب الديمقراطي الثوري اليمني, وحزب الطليعة الشعبية, ومنظمة المقاتلين الثوريين اليمنيين, وحزب العمل اليمني, واتحاد الشعب الديمقراطي, إضافة إلى حزب البعث العربي الاشتراكي المرتبط بالقيادة القومية بالعراق , وهذا الأخير لم يستمر طويلا, إذ عاد وانسحب من الجبهة الوطنية, لأنه لم يكن يرى ضرورة لاستخدام العمل المسلح ضد النظام في صنعاء.
وقد أفضى حوار الفصائل في الجنوب إلى تشكيل الجبهة القومية ـ التنظيم السياسي الموحد- في أكتوبر 1975م, كمرحلة انتقالية لقيام الحزب الطليعي الذي تندمج فيه تنظيمات اليسار الثلاثة في الجنوب, وهو ما تم بقيام الحزب الاشتراكي اليمني, في أكتوبر 1978م.
أما في الشمال فقد تواصل حوار تنظيمات الفصائل اليسارية, وكان حصيلته قيام "الجبهة الوطنية الديمقراطية" بتاريخ 11 فبراير 1976م, لتشكل غطاءاً سياسياً للتحالف الجبهوي بين تلك الفصائل, وإطاراً مفتوحاً لاستيعاب الأفراد والقوى السياسية الأخرى, فقد انضمت إليها جبهة 13يونيو الناصرية, بعد فشل الانقلاب ضد الرئيس علي عبد الله صالح في 15 أكتوبر 1979م, كما انضم إليها ـ في فترة من الفترات ـ حزب البعث (جناح العراق), وفي كل الأحوال ظل أعضاء التنظيمات اليسارية ـ وخاصة الحزب الديمقراطي الثوري اليمني ـ هم قوة الدفع الأساسية للجبهة .
وبجانب الحفاظ على الجبهة الوطنية الديمقراطية كإطار عام, دخلت تنظيمات اليسار في شمال اليمن في حوار للانتقال إلى مرحلة متقدمة من العمل المشترك, وهي مرحلة الاندماج والتوحد, وتم الاتفاق على صيغة الاندماج, وأقر كل فصيل في مؤتمر عام تلك الصيغة, وعقد المؤتمر الموحد لكل فصائل اليسار في شمال اليمن في مارس 1979م, وبهذه الطريقة اندمج اليسار في إطار تنظيمي واحد, ووصولا إلى قيام التنظيم الطليعي اليمني الواحد في شطري اليمن تم الدمج بين الفصائل اليسارية الجنوبية المنضوية في إطار الجبهة القومية- التنظيم السياسي الموحد- وبين تنظيمات اليسار الشمالية التي تم توحيدها حديثا في إطار الجبهة الوطنية, لتشكيل كيان واحد لمختلف تيارات اليسار في اليمن, هو الحزب الاشتراكي اليمني الموحد.
وهكذا فقد أفضت التطورات إلى توحد كل تنظيمات اليسار في تنظيم سياسي واحد, يوجه كل قوته للاستيلاء على السلطة في الشمال, ومن ثم يتم توحيد اليمن على أساس من الأيديولوجية الاشتراكية.
ج ـــ غياب الاستقرار السياسي وضعف سلطة الدولة:
ظلت السمة الغالبة على شمال اليمن هي غياب الاستقرار السياسي, وضعف السلطة المركزية للدولة, فقد استمرت الحرب الأهلية بين الجمهوريين والملكيين قرابة سبع سنوات, وما كادت تنتهي حتى اندلع الصراع بين النظام السياسي والتنظيمات اليسارية, التي تبنت استراتيجية إسقاط النظام من خلال ما أطلقت عليه بالحرب الشعبية, حيث تحولت بعض المناطق في وسط وجنوب الجمهورية العربية اليمنية إلى ساحة للقتال بين المتمردين والحملات العسكرية التي كانت ترسلها السلطة في صنعاء, وإلى جانب الصراع السياسي والعسكري مع الشطر الجنوبي, فقد خاض شطرا اليمن حربين شطريتين: الأولى عام 1972, والثانية عام 1979م, واُغتِيل رئيسان للجمهورية العربية اليمنية, في فترة متقاربة, فقد قتل الرئيس إبراهيم الحمدي بتاريخ11/10/1977م, ولم يستمر خليفته الرئيس أحمد الغشمي إلا قرابة ثمانية أشهر فقط, إذ تم اغتياله بتاريخ 24/6/1978م, فضلاً عن الصراعات التقليدية بين القبائل وبعضها البعض, والقبائل والدولة, والنزاع حول السلطة بين الرئيس إبراهيم الحمدي ومشائخ القبائل, والرئيس الغشمي وأنصار الرئيس الحمدي.. وهكذا فقد كان الصراع السياسي سمةً لليمن منذ قيام الثورة, وأخذ مستوى الصراع في الصعود كلما قربنا من عام 1978م, بفعل تنامي قوة التيارات اليسارية, وهو العام الذي تولى فيه الرئيس علي عبد الله صالح السلطة.


ثانيا : التطورات السياسية والاجتماعية في جمهورية اليمن الديمقراطية (سابقا)

ثانيا : التطورات السياسية والاجتماعية في جمهورية اليمن الديمقراطية (سابقا):
واجه الاستعمار البريطاني مقاومة مستمرة من قبل المواطنين في مدينة عدن والمحميات, وتتابعت الثورات التي قامت بها القبائل, فيما تولت الأحزاب والنقابات والنوادي الثقافية الجوانب السياسية من المقاومة, بتنفيذ الإضرابات والمظاهرات ورفع مطالب الاستقلال إلى الجهات الإقليمية والدولية وغيرها من أشكال المقاومة.
كان أول تنظيم جرى تشكيله في عدن هو الجمعية الإسلامية الكبرى, التي تشكلت عام 1949م, وضمت عددا من المسلمين البارزين من مختلف الجنسيات, من بينهم محمد علي الجفري الذي أسس –فيما بعد- حزب رابطة الجنوب العربي, والشيخ محمد سالم البيحاني, الشيخ علي باحميش, الشيخ علي بازرعة, الشيخ علي إسماعيل تركي, سالم الصافي, الشيخ ياسين راجمنار, عبد الله بن صالح المحضار, وعلي غانم كليب" إلى جانب مؤسسها "محمد بن عبد الله" وهو محامي من أصل باكستاني, غير أن هذه الجمعية انتهت بعد وفاة مؤسسها, وتوزع أعضاؤها بين الأحزاب السياسية الأخرى, حيث تحول معظمهم إلى رابطة أبناء الجنوب العربي.
وأياً كان الدور الذي قامت به الجمعية الإسلامية الكبرى فإن تشكيلها كأول منظمة سياسية يشير إلى محورية الإسلام في مواجهة الاستعمار البريطاني, والدفاع عن الهوية العربية والإسلامية لمدينة عدن.
وفي عام 1950م شكل محمد علي الجفري رابطة أبناء الجنوب العربي, كما تأسس في يوليو1962م حزب الشعب الاشتراكي, بقيادة عبدالله الاصنج كواجهة سياسية لنقابات العمال, وتولى هذان الحزبان قيادة العمل السياسي في عدن .
(أ): وصول اليسار إلى السلطة:
تشكلت الخلية الأولى لحركة القوميين العرب في الجنوب في منطقة الشيخ عثمان بعدن أواخر عام 1959م, وتألفت أساسا من موظفين وتلامذة ومعلمين, ونشطت في البدء تحت ستار نادي "الشباب الثقافي " في عدن, الذي استقطب طلاب المدرسة الثانوية الوحيدة للبنين في عدن, وهي كلية عدن التي كان يدرس فيها عدد من أولاد الشيوخ, وفي هذه الثانوية تم تأسيس أولى الخلايا .
ومنذ وقت مبكر, وبتخطيط من قيادة الحركة في بيروت, ومساعدة بقية الفروع في دول المشرق العربي, كان فرع الحركة في جنوب اليمن يُعِد نفسه لقيادة حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني واستلام السلطة من بعده, وتحقيقا لذلك عملت الحركة على التواجد التنظيمي في المناطق الريفية بين أفراد وشيوخ القبائل, إضافة إلى انتشارها في الأوساط العمالية والطلاب في عدن, فقد تمكنت من استقطاب وتنظيم عدد كبير من المغتربين اليمنيين في دول الخليج, وخاصة الكويت" .
وخلال الفترة 1959- 1963م لعب فرع الحركة دورا مهما على صعيد نشر الأفكار التحررية, ومارس عملا دعائيا وتعبويا كبيرا في مواجهة الاستعمار البريطاني..كما وقف ضد المشاريع الاستعمارية البريطانية, وبخاصة منها مشروع إقامة "اتحاد إمارات الجنوب العربي", حيث صدر عن الحركة كتاب في عام 1959م في عدن يفضح أهداف قيام "اتحاد الإمارات المزيف", كما صدرت فيما بعد كتب أخرى من تأليف قادة الفرع اليمني للحركة, ساهمت إلى -حد كبير- في رفع الوعي الشعبي في مواجهة الاستعمار البريطاني, هذا إلى جانب العديد من المقالات والندوات السياسية والفكرية التي نشرت أو أُعدت لهذا الغرض .
أما بعد انتصار ثورة 26 سبتمبر في شمال اليمن, فقد ساهم العشرات من أعضاء الحركة في الجنوب في الدفاع عن الثورة, ملتحقين بكتائب الحرس الوطني, ومشاركين في العمليات الحربية التي خاضتها قوى الثورة ضد فلول الملكيين.. وكان من بين المشاركين الشهيد "غالب لبوزة" الذي أطلق باستشهاده عند عودته إلى الجنوب شرارة الثورة المسلحة ضد المستعمر البريطاني, وعلى إثرها تشكلت الجبهة القومية .
حصلت الجبهة القومية على دعم كبير من حكومة الجمهورية العربية المتحدة, إلا أن العلاقات بين الطرفين أخذت في الاتجاه نحو التوتر بسبب عدم التفاهم بين الأجهزة الأمنية المصرية والجبهة, ورغبة الأخيرة في الحفاظ على استقلالها خاصة مع تنامي الميول اليسارية داخلها, وخروجها عن الخط القومي الناصري.
أدى التوتر بين الأجهزة الأمنية المصرية والجبهة القومية إلى سعي الأولى لتجميع أبرز القوى السياسية المنافسة للجبهة القومية في تكتل واحد تدعمه القاهرة, فتشكلت جبهة التحرير التي تكونت من حزب الشعب الاشتراكي ورابطة أبناء الجنوب اليمني, وعدد من السلاطين والشخصيات الاجتماعية القبلية, وذلك تحت إشراف جامعة الدول العربية, وتحوَّل الدعم الذي كانت تقدمه السلطات المصرية للجبهة القومية إلى جبهة التحرير, وبعد إعلان المستعمر البريطاني قرب رحيله, كثفت الجامعة العربية ومصر من ضغوطهما لأجل توحيد القوى السياسية في جنوب اليمن, ومارست القاهرة ضغوطاً مباشرةً على الجبهة القومية لقبول الاندماج مع جبهة التحرير, فوقعت بعض الشخصيات القيادية في الجبهة على صيغة الدمج بين التنظيمين, ولقي ذلك التوقيع رفضاً صريحاً من قِبَل القيادات البارزة في الجبهة, في المقدمة منهم "قحطان الشعبي", و"فيصل عبد اللطيف الشعبي" والصف الثاني في قيادة الجبهة الذي يقود العمل المسلح في الميدان.
استغلت الجبهة القومية سحب سلطة الاحتلال للجيش من مناطق المحميات فكثفت العمل المسلح, وبشكل سريع تساقطت مناطق الداخل بيد أنصار الجبهة القومية, وربما بسبب ذلك حددت بريطانيا الجبهة القومية كجهة يمكن التفاوض معها حول عملية الانسحاب, وقد انعكس كل ذلك على علاقة الجبهة القومية بجبهة التحرير التي رفضت أن تؤول السلطة إلى الجبهة القومية, واتهمت السلطات البريطانية بالتآمر ضدها, وتطور التنافس بين الجبهتين إلى صراع مسلح في شوارع مدينة عدن حسم بتدخل الجيش الاتحادي إلى جانب الجبهة القومية, وطرد قيادات جبهة التحرير إلى شمال اليمن, وهكذا استلمت الجبهة القومية السلطة في عدن بعد خروج جيش الاحتلال البريطاني في 30 نوفمبر 1967م, وتمكنت من توحيد الإمارات والسلطنات في دولة واحدة, هي جمهورية اليمن الجنوبية.
برزت الخلافات الفكرية بين أجنحة الجبهة القومية بعد استلامها للسلطة, وإعلانها بأنها التنظيم السياسي الوحيد، وهي خلافات تعود إلى عام 1965م, عندما بدأ التمايز بين التيار اليساري الماركسي والتيار القومي، غير أن خوف الجبهة القومية آنذاك من التحلل داخل إطار جبهة التحرير أجل الخلافات بين التيارين، فقد حدث تحول داخل بعض أجهزت الحركة, من الفكر القومي إلى الفكر اليساري, "وبالطبع لم يكن هذا التحول معزولا عن التغيرات التي شهدتها حركة القوميين العرب مركزيا وفي عدد من الفروع بفعل "المناخ الثوري" الذي عم العديد من مناطق في العالم فيتنام, الصين, كوبا..وغيرها .
وعلى إثر وصولها إلى السلطة, برزت رغبة تيار اليسار في الهيمنة على السلطة وتطبيق رؤاه التغييرية, على غرار حركات التحرر الاشتراكية في كل من: كوبا وفيتنام ودول أوروبا الشرقية.
وكان من الواضح أن ذلك التيار كان يمثل جبهة داخل الجبهة القومية، ويُعِد نفسه لاستلام السلطة، وهو وإن كان قد أسند رئاسة الدولة إلى التيار القومي, فإن ذلك لظروف اضطرارية، ولمرحلة مؤقتة, حيث تركز وجوده في المواقع التنظيمية الحيوية في الجبهة القومية، وسيطر على فروع الجبهة في عدد من المناطق, وبخاصة فرعي الجبهة بحضرموت وعدن، وكان فرع حضرموت أول من نفذ إجراءات التأميم ومحاكمات مَن كان يطلق عليهم أعداء الثورة, والتي قامت بها اللجان الشعبية وفق ما اشتهر "بالتجربة الحضرمية"، أما فرع عدن، فان وجود السلطة المركزية التي كانت بيد ما عرف باليمين القومي حد من تطرف العناصر اليسارية, ومنعها من تكرار ما حدث في حضرموت .
ازداد التنافس بين تيار اليسار الأكثر تبلورًا وتماسكًا، والتيار الآخر الذي يضم المتحفظين والرافضين للماركسية داخل الجبهة القومية من أصحاب التوجهات القومية والإسلامية, وسريعا ما تحول التنافس إلى صراع وتصادم, كانت قوة التيار القومي في الجبهة القومية تتمثل في إمساكه بالسلطة, حيث أن أغلب أعضائه احتلوا المناصب العليا في الدولة, بما فيها رئيس الدولة (قحطان الشعبي), ورئيس مجلس الوزراء (فيصل عبد اللطيف الشعبي) وعدد كبير من الوزراء، ويلقى التأييد من الجيش الاتحادي المعارض للأفكار اليسارية, وكانت نقطة ضعف التيار القومي في أنه لا يعمل وفق رؤية، ولا يدرك مرامي وأهداف التيار الآخر، ويتعامل مع الأحداث بقدر من التردد وعدم الحسم, أما التنظيم اليساري فقد سيطر على التنظيم داخل الجبهة القومية, وتعامل مع التطورات بقدرة عالية من التكتيك والمناورة، ولعب على تناقض الطرف الآخر، وحدد خطواته في ضوء هدف واضح, هو ضرورة استلامه للسلطة, والأهم من ذلك أنه كان يستعين بقيادة متفرغة وعقل حزبي مخطط، هو "نايف حواتمة" أحد القيادات التاريخية لحركة القوميين العرب "الأم" في بيروت, والذي تبنى الخط الماركسي باللجنة التنفيذية فيها، وبقي في عدن ليقوم بـ "إثارة الصراع الطبقي", والتخطيط لوصول أنصار اليسار إلى السلطة.
اختلفت رؤية الطرفين حول عدد من القضايا, منها: إنشاء اللجان الشعبية, والموقف من الجيش والأمن, والإصلاح الزراعي, ففي حين ركن ما كان يطلق عليه التيار اليميني إلى مواقعه في قيادة الدولة، ولم يتبن أي نوع من التحالف مع قيادة الجيش والقوى الاجتماعية والقبلية.
نشط اليسار في إكمال سيطرته على تنظيم الجبهة القومية، ودخل الطرفان في تنافس تجاه المؤتمر العام الرابع, الذي عقد في زنجبار بمحافظة أبين بتاريخ (2) مارس 1968م, وهو أول مؤتمر عام تقيمه الجبهة بعد وصولها إلى السلطة، فقد تعثرت لجنة الإعداد للمؤتمر، وشكل جناح اليسار لجنة خاصة غير معلنة ضمت عناصر يسارية متطرفة، علي صالح عباد "مقبل"، سلطان أحمد عمر, عبد الله الأشطل، وبحضور ورعاية نايف حواتمة، أعدت الأوراق التي قدمها جناح اليسار إلى المؤتمر, وتضمنت رؤية متطرفة لتغييرات جذرية للمجتمع والدولة في الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية, وبالرغم من معارضة جناح قحطان الشعبي إلا أن وثائق المؤتمر العام ومخرجاته كانت لصالح اليسار.
أثارت تصرفات اليسار مخاوف قيادة الجيش، وشن عدد من خطبـاء المسـاجد تحذيرات من مخاطر الشيوعيين, وقام الجيش والأمن بزعامة حسين عثمان عشال بمحاولة انقلاب حيث اعتقل في صباح (20) مارس مجموعة كبيرة من الجناح اليساري بينهم ثمانية أعضاء في القيادة العامة .
بادر أنصار الرئيس قحطان الشعبي إلى التوسط وإقناع قادة الجيش بأنهم إذا عادوا إلى ثكناتهم فسيوقفون تصرفات العناصر اليسارية، وفي تلك الأثناء هرب من الحجز عدد من قادة اليسار، وانتقلوا إلى المحافظة الثالثة "أبين" ليعدوا لانتفاضة مسلحة ضد قيادة الدولة.
أدى انقلاب 20 مارس 1969م إلى تفاقم الخلاف, وبروز أزمة الثقة بين جناحي الجبهة القومية المتصارعين، ولم يكن الجناح اليساري قانعًا بالإجراءات التي اتخذها الرئيس قحطان الشعبي، وكان داخل التيار اليساري من يطالب بضرورة معاقبة قيادة الجيش ومدبري الانقلاب دون تهاون، وكان في مقدمة أصحاب هذه المطالب: الكوادر والعناصر التي توجهت إثر الانقلاب العسكري إلى المحافظة الثالثة، وقد ضاعف من حجم أزمة الثقة بين الجانبين عدم تنفيذ حكومة قحطان الشعبي لقرارات المؤتمر الرابع, وإصدارها قانون الإصلاح الزراعي على النحو الذي انتقده اليساريون .
فشل تيار اليسار في تحقيق أهدافه من خلال الانتفاضة العامة التي قادها في المحافظة الثالثة، وتبنى سياسة جديدة تقوم على احتواء النظام وتفكيكه من الداخل, وقدم لهم تمرد بعض القبائل وفشل الوحدات العسكرية التي أرسلها قحطان الشعبي للقضاء على ذلك التمرد فرصة لتحسين العلاقة مع الشعبي والعودة إلى عدن, حيث عرضوا خدمتهم لمساعدته, وتمكنوا بالعنف الشديد من إخماد التمرد القبلي, "ويقر عبد الفتاح إسماعيل بشكل صريح أنه منذ عودة الجناح اليساري إلى عدن، بدأوا فورًا في تنفيذ مخطط يهدف في نهاية المطاف إلى تنحية قحطان الشعبي وأنصاره عن الحكم، وانفرادهم بالسلطة, وبفضل هذه السياسة تمكن قادة اليسار من العودة إلى ممارسة مسؤولياتهم في قيادة الجبهة القومية، كما وسعوا من سيطرتهم على مختلف المنظمات الحزبية والجماهيرية، وأقاموا تحالفات حتى مع بعض الرموز اليمينية المتناقضة مع الشعبي مثل محمد علي هيثم (وزير الداخلية), ومحمد صالح عولقي (قائد الجيش)، وضباط العوالق في الجيش الذين كانوا يمثلون الأغلبية، وذلك بالطبع إلى جانب استقطابهم لتأييد صغار الضباط والجنود.
حصر أنصار تيار اليسار في الجبهة القومية خلافاتهم مع رئيس الجمهورية قحطان الشعبي، بغرض عزله عن أنصاره, حتى إذا ما تم التخلص منه, يتم التخلص من البقية فيما بعد,.. وعندما تمكنوا من تثبيت مواقعهم أطاحوا بالرئيس قحطان الشعبي بتاريخ 22مايو 1969م, فيما يسمى بحركة 22 مايو التصحيحية، حيث أُودع "قحطان الشعبي" السجن، وتم إعدام "فيصل الشعبي" بدعوى محاولة فراره من السجن، وتم تشكيل مجلس رئاسة جديد برئاسة سالم ربيع علي (سالمين), وعضوية عبد الفتاح إسماعيل (الذي أصبح أميناً عاماً للجبهة القومية) ومحمد علي هيثم (الذي عُين رئيسا للوزراء)، ومحمد صالح عولقي، وعلي عنتر، وقد ضم المجلس عضوين محسوبين على ما كان يطلق عليه بتيار اليمين, وهما محمد علي هيثم، ومحمد صالح عولقي، وكان هذا إجراءاً تكتيكياً, إذ سرعان ما تم إقصاؤهما، فقد قررت القيادة العامة للجبهة القومية في دورتها التي عقدتها من 27 نوفمبر إلى 8 ديسمبر 1969م، تخفيض عدد أعضاء مجلس الرئاسة إلى ثلاثة أعضاء هم: سالم ربيع علي، عبد الفتاح إسماعيل، محمد علي هيثم، وفي أغسطس 1970م تم إقالة محمد علي هيثم من كافة المناصب وتعيين علي ناصر محمد بدلاً عنه .
وبسيطرة اليسار على السلطة وإزاحة ما كان يطلق عليه التيار اليميني أو القومي, تفرغ التيار الأول لتنفيذ ما أطلق عليه "مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية" والتي تعني تطبيق الاشتراكية العلمية, من خلال تجذير التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية في البلاد.
وقد مثلت هذه الفترة التي امتدت إلى أكتوبر 1978م, وهو التاريخ الذي تم فيه الإطاحة بالرئيس سالم ربيع علي, مثلت اشد المراحل الاشتراكية تطرفًا, وأكثرها تضييقًا على القوى السياسية والاجتماعية في البلاد، بل وعلى تلك الشخصيات غير الماركسية التي ناضلت لإنشاء الجبهة القومية, وخاضت الكفاح من خلالها, وهي الفترة التي تم فيها تطبيق ما يعرف بالتحولات اليسارية في الدولة والمجتمع, وكان تطبيق تلك التحولات قائماً على الإفراط في التنكيل والبطش, والمغالاة في استخدام العنف والإرهاب.
(ب) ـ التغيرات الراديكالية:
بمجرد وصول تيار اليسار المتطرف إلى السلطة، عمل على تنفيذ تحولات جذرية لإعادة بناء الدولة والمجتمع, وفق نظرية الاشتراكية العلمية, وعلى غرار التجارب المماثلة التي تم تطبيقها في عدد من الدول التي تحولت إلى النظام الاشتراكي, وخاصة كوبا وفيتنام. إذ كان جناح اليسار قد قدم بعض رؤاه في المؤتمر العام الرابع للجبهة القومية, تحت عنوان "برنامج استكمال مهام مرحلة التحرر الوطني", وهو البرنامج الذي عارضه التيار اليميني برئاسة قحطان الشعبي, وبعد استيلائه على السلطة لم يعد مقتنعاً بذلك البرنامج، وطرح برنامجاً جديداً تم إقراره في المؤتمر العام الخامس للجبهة القومية, الذي عقد في 2ـ6 مارس 1972م, وهو البرنامج الذي أطلق عليه "مهام مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية", حيث أعلن صراحةً التزام الجبهة القومية بالاشتراكية العلمية, وأن العمل الثوري تجاوز مهام التخلص من الأعداء إلى تفكيك البناء السياسي للنظام القائم وإعادة بناؤه على أسس أيديولوجية، لم تطبق بتلك الدرجة والحدة في أي دولة عربية أخرى.
وعلى ذلك شهدت تلك المرحلة إعادة صياغة المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع في جنوب اليمن, بصورة احتوت قدراً كبيراً من تجاوز الحقائق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع اليمني.
1- إعادة بناء أجهزة الدولة على طريقة النظم الاشتراكية:
مثل الموقف من مؤسسات الدولة وأجهزتها نقطة خلاف بين التيارين المتنافسين في الجبهة القومية، إذ كان التيار اليميني يرى الحاجة للحفاظ عليها مع تقويمها وتصحيح أوضاعها لتقوم بدورها، أما التيار اليساري فقد كان يرى ضرورة تحطيمها والقضاء عليها، وبناء أجهزة جديدة تتسم بالثورية، وهذه الرؤية كانت عن قناعة فكرية, "فعلى الثورة لكي تحافظ على مكاسبها وتستمر قدمًا أن تحطم آلة الدولة "الجاهزة" وتستعيض عنها بآلة جديدة، وتدمج البوليس والجيش والبيروقراطية في الشعب المسلح عن بكرة أبيه"( ) وهذا ما قامت به الجبهة القومية بعد انقلاب مارس 1969م .
فقد قامت الجبهة القومية بعملية تطهير واسعة لبعض الضباط في المستويات العليا، ليس المشكوك في مساندتهم لجبهة تحرير اليمن الجنوبية وتحالف الجنوب العربي فقط, بل وأولئك الذين كان لهم دور في القرار النهائي للجيش ايضاً، ولمساندة الجبهة القومية في كل وحدة من الجيش تم تعيين ضابط سياسي, مثل النظام المتبع في الاتحاد السوفيتي، لكي يطبق وجهة النظر الحزبية, وليمارس نفوذ الحزب، وأما الالتحاق بالمعاهد والكليات العسكرية فقد كان مقصورًا على الذين تقبلهم الجبهة الوطنية فقط، كما تم تكوين فرقة عسكرية مستقلة ثابتة للحزب, ليس لها أي علاقة بالقوات المسلحة, حيث كانت مهمة هذه الفرقة العسكرية حماية التنظيم الحزبي من أي محاولة للانقلاب .
وفي هذا الإطار يمكن فهم إصرار التيار اليساري في الجبهة القومية (وهو الذي كان يقود الكفاح المسلح ميدانيًا) على إنشاء العديد من الأجهزة البديلة لقوات الجيش: تنظيمات الفدائيين، وجيش التحرير الشعبي, واللجان الشعبية العسكرية والمدنية، والحرس الشعبي، والقوات الشعبية, بعضها أُنشئ أثناء عملية الكفاح المسلح, والبعض الآخر أُنشئ بعد التحرر وهي سمة عامة للثورات التحررية الشعبية المسلحة التي سلكت طريق التوجه الاشتراكي, وتتبنى الاشتراكية, مثل كوبا وفيتنام لاوس وكمبوديا .
كما "عملت الثورة على تطهير أجهزة الجيش والبوليس من عناصر الثورة المضادة، إلى درجة تحطيمها، وإعادة بنائها على أساس دمجها ضمن المؤسسات العسكرية للثورة, من حرس شعبي، وجيش تحرير شعبي، وقوات شعبية، وتنظيمات فدائيين، وكانت عملية تحطيم جهاز الدولة القديم سمة تميز ثورتنا عن الثورات الوطنية التحررية في الوطن العربي التي اكتفت على حد قول لينين بنقل آلة الدولة هذه من يد حزب إلى يد حزب آخر, وهذا ما أعاق عملية التطور لهذه البلدان في الاتجاه الاشتراكي بجانب العوامل الأخرى المتعلقة بطبيعة القوى الحاكمة" .
اقترن تطهير الأجهزة العسكرية والأمنية للدولة، وإحلال الأجهزة التي أوجدتها الجبهة القومية في مرحلة النضال المسلح وبعد الاستقلال، اقترن بخطوة أخرى وهي الحرص على تسييس وأدلجة المؤسسات والأجهزة الجديدة, بحيث تكون المسؤولة عن تطبيق الأفكار الاشتراكية وحماية النظام الجديد، فكما يقول أحد الباحثين فقد "أولت ثورتنا أهمية خاصة للعمل السياسي في أجهزة الجيش والبوليس، حيث كانت تسير عملية التدريب العسكري، والتثقيف السياسي والأيديولوجي سيرًا منسجمًا مع أهداف الثورة, تحت إشراف وتوجيه التنظيم السياسي القائد آنذاك "الجبهة القومية"، حيث احتل النشاط السياسي في صفوف الأجهزة الدفاعية والأمنية المرتبة الأولى من حيث الأهمية النسبية لعملية الإعداد العسكري" .
ويضيف "بأن عملية تحطيم جهاز الدولة القديم في بلادنا، وتكوين جهاز ثوري حديث على أنقاضه من أبناء الكادحين، وإعداد وتنظيم وتسليح الشعب الكادح، ودمج كل المؤسسات العسكرية، والمنظمات الجماهيرية المسلحة, وجعلها تخوض معارك الدفاع عن الثورة المهددة بخطر الثورة المضادة بصورة مشتركة كان كل ذلك يعتبر من أهم عوامل نجاح ثورتنا المحاطة بالأعداء من كل جانب" .
وبعد المؤتمر العام الخامس للجبهة القومية، أتخذت قرارات أخرى تعزز هذا الاتجاه منها انخراط كافة أعضاء التنظيم السياسي في الميليشيا الشعبية لتدريبهم وتسليحهم، وتعيين مدربين عسكريين في المدارس لتدريب الميليشيا الطلابية، وإبرام اتفاقية تعاون مع الحزب الشيوعي الكوبي لتدريب الميليشيا، وفتح مدارس ومعسكرات تدريب الميليشيا في جميع المحافظات، وذلك لإعداد وتدريب الميليشيا، وتشكيل المحاكم الشعبية لمحاكمة الخونة، وتشكيل مجالس الدفاع الوطني في جميع أرجاء البلاد, ابتداءً بالمجلس الوطني للمركز كأصغر وحدة إدارية, وانتهاء بمجلس الدفاع الوطني الأعلى في الجمهورية .
وإلى جانب الميليشيا الشعبية تم إنشاء منظمة لجان الدفاع الشعبي التي تعتبر أكبر منظمة جماهيرية في البلاد وتضم معظم جماهير الشعب وتقوم بتأدية مهام دفاعية متعددة, أهمها: (إخماد) الحرائق, والرقابة على المنشآت والمواقع الحيوية, وتنظيم الاحتفالات في المناسبات العامة والأعياد الوطنية, ومساعدة الأجهزة الشرطوية والقضائية والإدارية في حل القضايا الاجتماعية اليومية, وفي تنفيذ البرنامج الثقافي من خلال نشر الوعي الثقافي والأمني والصحي بين المواطنين، والقيام بعملية الإخطار الاجتماعي, وغيرها من المهام .

2ـــ التحولات الفكرية والثقافية:
أولت القيادة اليسارية في الجبهة القومية اهتمامًا خاصًا لطبيعة التحولات الثقافية والفكرية والاجتماعية المراد إحداثها في مجتمع اليمن الجنوبي, بعد إقصاء الشخصيات والقوى السياسية الأخرى "القومية، والوطنية، والإسلامية", فقد كان البُعد الأيديولوجي والفكري هو الميدان الحقيقي للتغيير، على اعتبار أن الاشتراكية هي عقيدة وأيديولوجية قبل أي شيء آخر.
وقد كانت الجبهة القومية هي الهدف الأول للتيار اليساري, لأن الانفراد بها, يضمن تحويلها إلى أداة لبناء دولة اشتراكية.
بعد سيطرة اليسار على السلطة والجبهة القومية, تم إقصاء الشخصيات التي لا تؤمن بالأفكار الاشتراكية أو تتردد في الإيمان بها، وتم تحويل الجبهة القومية إلى أداة رئيسية في تنفيذ تلك الأفـكار في الواقع العملي .
والحقيقة أن كل الإجراءات التنفيذية الجذرية التي قامت بها الجبهة القومية في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية تنطلق من أرضية فكرية وأيديولوجية، فقد كان الهدف العام هو تطبيق الفكر الاشتراكي, وبناء دولة ومجتمع على ضوئه، ولهذا كانت الأبعاد الفكرية والثقافية على درجة عالية من الأهمية، خاصة وأن مطالب التغيير لم تكن بسيطة ولا عَرَضية بقدر ما كانت جذرية وكلية.
تنوعت الآليات والإجراءات التي تم بها إحداث التغير الفكري, من تشريعات وأدوات قانونية, إلى مؤسسات وأجهزة تتبني عملية التغيير، إلى استخدام القوة والقمع في فرض الفكر الجديد, فقد أصدرت الجبهة القومية دستوراً صادقت عليه قيادتها العامة في 30 نوفمبر 1970م، أعلن بوضوح تبني الدولة للاشتراكية العلمية، وسعيها لتطبيقها في الواقع, وألغى العبارة المشهورة بأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.
ومن الجوانب الرمزية ذات الدلالة، أعلن سالم ربيع علي، في أول ديسمبر 1970م, أن اسم الدولة سيتغير إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وهو الاسم التقليدي للدول التابعة للاتحاد السوفيتي .
وكما أوضح أحد الباحثين المنتمين إلى الجبهة القومية في تلك الفترة "إن الثورة في بلادنا تدرك أهمية نشر وترسيخ منهجها الأيديولوجي بين الجماهير الكادحة من جهة والعمل على دحر الأيدولوجيا والأفكار الرجعية المعادية من جهة أخرى، وهذا لن يتأتى إلا من خلال "تحرير الجماهير من تأثير الفكر الرجعي" .
ويضيف: "ولهذا فقد اتخذت الثورة في بلادنا جملة من الإجراءات الثورية الصائبة على الصعيدين الأيديولوجي والثقافي, تمثلت بفتح المراكز الثقافية في جميع أنحاء البلاد, وخصوصًا بالأرياف، حيث لعبت تلك المراكز دورًا هامًا في تنوير الجماهير الكادحة بالأفكار الثورية، وعملت على محو أميتها الأبجدية والسياسية، وكان فتح المدرسة الحزبية المركزية للعلوم الاجتماعية في العاصمة عدن، وفتحت لها فروع في بقية المحافظات, وذلك بهدف تحصين كادرات الحزب تحصينًا أيديولوجيًا, ورفع مستوى معارفهم النظرية، حيث تخرج المئات من هذه المدارس، إلى جانب الذين تخرجوا من مدارس ومعاهد الاتحاد السوفيتي، وبقية مدارس النظرية الاشتراكية، ويلعب الخريجون الذين استوعبوا الفكر الماركسي اللينيني دورًا هامًا في عملية تعزيز وترسيخ منهج الثورة الأيديولوجي, ومحاربة الأعداء الأيديولوجيين الرجعيين، باعتبار أن واجب الثوريين كما بين ذلك "لينين" ليس التغلب على مقاومة الرأسماليين والعسكريين والسياسيين فقط, ولكن على الأيديولوجيين الأعمق والأقوى .
وقد كرست إدارة التنشئة العامة التي كانت تملكها الدولة والحزب لإحداث التغييرات الفكرية والثقافية المطلوبة, "ففي جانب التعليم، عملت الثورة على تغيير المناهج التعليمية السابقة منذ العام الدراسي 70/1971م، وإعداد مناهج مدرسية وطنية للتدريس في جميع مراحل التعليم العام, بما يتفق ونهج الثورة الأيديولوجي الماركسي" .
وفي التعليم الجامعي كان الطلاب ملزمين بمواد تدرس الأفكار الماركسية فقد كان طلاب السنة الأولى، يدرسون مادة "المادية الجدلية" أو "المادية التاريخية", ويدرس طلاب السنة الثانية "الاقتصاد السياسي الماركسي", ويدرس طلاب السنة الثالثة "الاشتراكية العلمية", إلى جانب أن الكراسات الأخرى محورة وبنيت على النظرية والتصور الماركسي وكانت الثقافة العامة في الشعر والأدب والقصة, والنثر وحتى الزوامل الشعبية مصبوغة بالصبغة الاشتراكية" . وقد وظف الإعلام بوسائله المختلفة، والمدارس، والتعبئة السياسية داخل المعسكرات وفي المدارس الحزبية, لتلقين الأفكار الاشتراكية ونشرها بين المواطنين.
كما أن الأجهزة التي أنشئت، مثل: "الاتحاد العام للعمال، والاتحاد النسائي اليمني، واتحاد الطلبة، وتنظيمات الشباب المنتشرة في القرى، ولجان الفلاحين في التعاونيات والمزارع الحكومية، ولجان الدفاع الشعبي، كانت كلها أدوات للتعبئة الشعبية والسيطرة وتلقين المبادئ, كما بذلت مجهودات كبيرة لنشر التعليم وتلقين الأفكار الاشتراكية في جميع أنحاء البلاد, وتم إنشاء مدرسة أيديولوجية خاصة في عدن لتدريب العاملين في الحزب" .
3ـــ التحولات الاقتصادية:
بعد مرور خمسة أشهر على قيام ما أطلق عليه بالحركة التصحيحية، باشرت حكومة اليسار بأجراء تحولات عميقة في الحقل الاقتصادي، فقد صدر في 27 نوفمبر 1967م القانون رقم (37) حول "المؤسسة الاقتصادية للقطاع العام والتخطيط الوطني, والذي بموجبه تم تأميم جميع البنوك، وكافة شركات التأمين الأجنبية, والشركات التجارية الأجنبية الكبرى، ووكالات تسويق منتجات النفط, وشركات خدمة السفن البحرية، حيث نقلت تلك الشركات إلى إشراف الدولة بشخص المؤسسة الاقتصادية للقطاع العام" .
وتم تنفيذ القانون بصورة غريبة، فلم تتول الأجهزة الإدارية في الدولة تطبيق هذا القانون, وإنما من خلال تشجيع الانتفاضات الفلاحية في أنحاء الريف باليمن الجنوبي، ويضيف مسؤول في الجبهة القومية كيفية مساعدة الفلاحين على الانتفاض بقوله: "لقد أفهمنا الفلاحين أن مستغليهم لن يتغيروا إطلاقًا وعليهم أن يتصرفوا, فأخذوا سكاكينهم ومناجلهم وألقوا القبض فورًا على الشيوخ والسادة وغيرهم من الإقطاعيين وهكذا قبضوا على 82 شخصًا, وقد ذهل الأهالي فقد كانوا يظنون أنه لا أحد يجرؤ على مس هؤلاء الأشخاص, وأن من يرفع يده في وجوههم سيقتل على الفور، وعندما رأوا أسيادهم السابقين ظلوا في السجن وأن المدينة لم تصب بكارثة, حلت عقدة كل الألسن, وانضم بقية الفلاحين إلى جمعيات للدفاع عن الفلاحين في المحافظة، وكان من المهم أن يسوق الفلاحون بأنفسهم المالكين والإقطاعيين إلى السجن، وكان بعض الفلاحين مسلحين ولكننا لم نوزع السلاح لأننا كنا نخشى وقوع مذبحة" .
وهكذا تم إعداد الفلاحين سياسيًا وتنظيميًا, حيث شكلت اللجان الفلاحية من بين صفوفهم, وانتزعوا الأرض من مستغليهم, تحت إشراف وتوجيه ودعم التنظيم السياسي للجبهة القومية, وحكومة الثورة, الأمر الذي أكسبهم وعيًا طبقيًا, وعزز من مواقفهم النضالية عبر نضالهم الشاق ضد الإقطاع وشبه الإقطاع الذين قاوموا الإجراءات الثورية .
كما صدر قانون الإسكان رقم (32) لسنة 1972م, والذي تم تنفيذه بنفس الكيفية، حيث لم تكن إجراءات التأميم ذات طابع إداري تنفذها أجهزة الدولة, بل كانت انتفاضات جماهيرية تحت إشراف التنظيم السياسي للجبهة القومية، حيث شكلت لجان الحراسة والرقابة الشعبية والمجالس الإدارية بين أوساط العمال، ولعبت النقابات العمالية دورًا بارزًا في تنظيم مظاهرات التأييد لإجراءات التأميم الثورية .

4ـــ التحولات الاجتماعية:
طالت التحولات التي قامت بها الجبهة القومية في طورها اليساري الجانب الاجتماعي في جنوب اليمن، حيث استهدفت تفكيك البناء الاجتماعي السابق والذي كان قائماً على الأساس التقليدي العشائري والقبلي، وتدمير العلاقات والتراتيب الاجتماعية السابقة, وبناء مجتمع جديد من حيث بناؤه الهيكلي وطبيعة العلاقات السائدة, وقد كان المدخل إلى ذلك تأميم الشركات والعقارات والمساكن والمواشي والآلات الزراعية ووسائل المواصلات وغيرها من الممتلكات التجارية والعقارية, وإعادة توزيعها على شرائح اجتماعية أخرى.
وكان من الواضح أن الأبعاد الاجتماعية غير غائبة في عملية التأميم، حيث كان يتم تثوير المواطنين والفلاحين والعمال ضد أصحاب الممتلكات تحت شعار "التثوير الطبقي".
ومن المشاكل البارزة التي واجهت الجبهة القومية, الانقسامات القبلية، وقد اتخذت الجبهة القومية العديد من الإجراءات التي بدأتها أثناء عملية الكفاح المسلح, مثل الحرص على أن يكون قادة التشكيلات التنظيمية في المناطق القبلية من خارج تلك المناطق, وإعادة تقسيم المحافظات وترقيمها, وإلغاء الألقاب وأسماء العائلات, وإغلاق النوادي التي تحمل أسماء المناطق والقبائل, واستخدام العنف شديد الإفراط لقمع القبائل ومنع مقاومتها, إضافة إلى الأدوات التشريعية والقانونية والإعلامية, ووسائل التنشئة العامة .
5ـــ التحولات في السياسة الخارجية:
تعاملت حكومة الجبهة القومية مع السياسة الخارجية بنفس الرؤية والطريقة التي تعامت بها مع السياسات الداخلية, حيث جعلت من جنوب اليمن مركزًا لنشر الثورة في دول الخليج، فبعد حركة يونيو 1969م، حاولت النخبة الحاكمة الجديدة، أن تجعل من عدن مركزًا لمد الثورة إلى كل الجزيرة العربية، خاصة إمارات الخليج العربي, بما فيها من وجود أجنبي، وسلطنة عمان ومسقط التي نُظر إليها باعتبارها رمزًا للتخلف والاستغلال المرفوض، وكذلك النظر إلى السعودية باعتبارها معقلاً للاتجاهات الرجعية في المنطقة العربية, وحليفًا طبيعيًا للإمبريالية الأمريكية, وارتبط ذلك بالتقسيم الثلاثي للعالم الذي أخذت به الجبهة القومية في علاقاتها الخارجية: (الدول الاشتراكية التي يتم الارتباط بها سياسيًا واقتصاديًا، البلدان الصديقة غير ذات الطابع الاستعماري "الكويت، السودان، لبنان، باكستان، فرنسا, والدول ذات الاتجاهات الرأسمالية الاستعمارية), وهذا التقسيم جعل كافة الكيانات السياسية في الجزيرة العربية في قائمة الدول ذات الاتجاهات الاستعمارية والرأسمالية والتي لوسائل الإعلام اليمنية حرية نقدها والهجوم عليها.
أدت هذه النظرة من قِبل عدن للجزيرة العربية، إلى المشاركة في إحياء وتكوين المنظمات الثورية, سواء في مواجهة الوجود البريطاني في الإمارات, أم في مواجهة حكم السلطان سعيد بن تيمور في سلطنة مسقط وعُمان، ذات الحدود الطويلة مع اليمن الديمقراطية، وأبرز هذه المنظمات التي ساعدتها اليمن الديمقراطية "جبهة تحرير عُمان والجنوب المحتل، وهي الجبهة التي علقت عليها عدن أملاً كبيرًا في نشر الثورة في ربوع الجزيرة العربية، على النمط ذاته الذي عرفه جنوب اليمن على يد الجبهة القومية" .
فقد كانت الأيديولوجية الاشتراكية هي التي تضبط السياسة الخارجية لنظام الجبهة القومية في جنوب اليمن، حيث كانت عدن تنظر إلى نفسها على أنها جبهة متقدمة للوجود السوفيتي في المنطقة، وأداة من الأدوات الروسية في الحرب الباردة... وهكذا كانت الأولوية في تحديد المواقف من المتغيرات الدولية هي درجة تأثيرها على الفكر الاشتراكي ومصالح الدول الاشتراكية، حتى لو تعارض ذلك مع المصالح الإسلامية والقومية... وفي هذا الإطار يمكن فهم تأييد نظام جمهورية اليمن الديمقراطية لإثيوبيا في حربها ضد الصومال الإسلامية حول منطقة أوجادين، وكذلك دعمهم للدولة الإثيوبية ضد ثوار إريتريا الذين بعضهم من المسلمين، وتأييد الاتحاد السوفيتي في غزوه شعب أفغانستان المسلم عام 1979م, وبالرؤية العقدية نفسها, دعمت حكومة الجبهة القومية، الجبهة الوطنية الديمقراطية التي كان هدفها إقامة سلطة ماركسية في الشمال, تمهيداً لتوحيد اليمن على أساس من الأيدلوجية الاشتراكية.

جدل التحديث والإصلاح في الفكر الإسلامي


خيري عمر / 05-05-2009
غلاف الكتاب

جدل فكري كبير ثار وما يزال حول مسارات التطور السياسي والاجتماعي والثقافي في الحقبة الأخيرة للدولة العثمانية وما بعدها، منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفي مؤلف لـ"غريغوار منصور مرشو" بعنوان: "الفصام في الفكر العربي المعاصر"، والصادر عن دار الفكر 2007، تبنى "مرشو" مدخل مناقشة الأفكار، وبيان مدى تقاربها وتباعدها عن الواقع الاجتماعي، ومدى تلبيتها لمصالحه.
ويبحث الكتاب في السياقات التاريخية والاجتماعية المؤدية إلى تأسيس صناعة الهيمنة الغربية، والكيفية التي رسخت بها أقدامها في المجتمعات الإسلامية، والسبل التي اتبعتها في عملية إحلال واستبدال واسعة للهوية الإسلامية والذاكرة الاجتماعية.
وينطلق من أن السياسات المالية والاقتصادية الأوروبية تجاه الدولة العثمانية قد أفضت إلى تطور هام في البنية الاقتصادية والاجتماعية للدولة؛ فقد نشأت عن النظام الضريبي علاقة ثلاثية بين الدولة والمواطنين والأجانب، ترتب عليها إهدار الكثير من موارد الدولة، وتكوين نخب محلية موالية للدول الأجنبية، فالشعب يدفع الضرائب التي تنقل بدورها إلى أرباح للشركات والبنوك الأجنبية، بينما تتلقى الحكومة أجرة السمسرة.
هذه الصورة التي يسوقها "مرشو" تعبر عن العمق الحقيقي لأزمة التحديث والتحديات التي يواجهها العالم الإسلامي، فمع تكريس هذا النمط من العلاقات لا يمكن التنبؤ بفرص محتملة للفكاك من أسر الهيمنة الغربية.
وفى هذا السياق يثير "مرشو" إشكالية هامة تتعلق بمستقبل التحديث في العالم الإسلامي في ظل الهيمنة الرأسمالية والشركات متعددة الجنسية على جزء كبير من قطاع الخدمات والتجارة الدولية، وبالتالي فإن القضية التي نحن بصددها تتعلق أساسا بفرص بناء أو تطوير نماذج أخرى محلية للتحديث والتنمية.
السياقات التاريخية للتحديث
شملت سياسة التحديث العديد من القطاعات كان أهمها الجيش والتعليم، غير أن تلازم هذه السياسة مع توسع دور الدولة في مصر ومصادرة أراضي المماليك والأوقاف قد أسفر عن تضاؤل الملكية الخاصة، وتدهور البنية الأساسية المجتمعية، بينما زادت هيمنة الأقليات الأجنبية.
وقد تكرس الانفصام بسبب عوامل عديدة؛ حيث ساهم الغزو الفرنسي في بدايات القرن الثامن عشر وتجربة محمد علي في تكريس أنماط ثقافية وسياسية وإدارية، سلبت الحياة والناس من هويتهم الوطنية، وعملت على تهميش الثقافة الوطنية؛ وهو ما ترتب عليه تكوين نخبة محلية موالية ومولعة بأنماط التحديث الغربية، أخذت تنافح عن نمط الحياة الغربية، وتطالب بالانغماس فيها دون تمحيص، وقد دعت إلى تبني المذاهب الفلسفية الغربية، وأنسنة العلوم والعقائد.
إن الملحوظة الجوهرية التي يرصدها الكتاب تتمثل في أن السبب الرئيسي لفشل تجربة تحديث محمد علي لم يكن ناتجا عن الإخفاق العسكري في مواجهة القوى الأوروبية، ولكنه يرجع بالأساس لانفصام عرى اللحمة والالتحام بين مشاريع التحديث والجماهير؛ فقد ظلت التجربة جسما غريبا ومعزولا عن الجماهير، وشجعت في ذات الوقت على ترسيخ الأنماط الاستهلاكية الغربية.
ومع تزايد هجرة المثقفين والعمال المهرة إلى عاصمة الدولة العثمانية نشأت ظاهرتان أثرتا على التطور الاجتماعي والاقتصادي في الدولة:
الأولى: حيث حدثت حالة من الاغتراب بين المهاجرين والمجتمع المحلي.
والظاهرة الثانية تمثلت في تدهور الإنتاج الزراعي والصناعي؛ بسبب الإفقار الاقتصادي، والتغيرات العنيفة في المجال الزراعي، واختلال الميزان التجاري بشكل أدى إلى نزوح العملات المعدنية إلى الخارج.
ونتيجة للاستثمارات الفرنسية في جبل لبنان في قطاع النسيج (1840- 1850)، تحول نمط الزراعة لخدمة المشاريع الجديدة وسياسة الإنتاج لأجل التصدير؛ مما ترتب عليه خراب صناعة النسيج المحلية، وزيادة التبعية، وتحول التجار إلى عملاء ووكلاء للتجار الأجانب؛ مما أسهم في خلق طبقة من الحلفاء لأوروبا، والمعادين في الوقت نفسه لأصحاب المشاريع المحلية؛ مما أدى في النهاية إلى تفكيك السلطة السياسية القائمة، ونشوء ولاءات محلية تتجاوز السلطة العثمانية، وقد شكل الموارنة قاعدة هذا الاختراق.
وبمضي الوقت تطورت علاقة التحالف مع الأجانب بظهور فئة اجتماعية ساعدت على تسهيل التغلغل الأوروبي من خلال دورهم كوسطاء ومترجمين، وكانت هذه الفئة محط الارتقاء الاجتماعي والاقتصادي حتى إنها صارت حليفا للدولة، وفي ظل التحولات في النظام الاقتصادي وما رافقها من أزمات اقتصادية، ومع التوسع في نشأة المدارس الحكومية ذات النسق الغربي تغيرت تركيبة القوى الاجتماعية المحلية، وباتت هذه المدارس تشكل رافدا هاما من روافد التغريب.
تحالف المثقفين والسلطة
وفى تحليله للتيارات الفكرية المؤسسة للانفصام، يذهب "مرشو" إلى أن رواد الليبرالية تحالفوا مع السلطة بدعم من الأجانب (الفرنسيين أو الإنجليز)، وهذا ما حدث مع الطهطاوي، وخير الدين التونسي، كما قامت كتاباتهم بدور كامتداد للنفوذ الثقافي الفرنسي، وقد انعكست فلسفة كتاباتهم في الصحافة، خاصة في قضايا المرأة مع نهايات القرن التاسع عشر، وتمجيد الحضارة الأوروبية، والترويج لها، بديلا عن الثقافة العربية التقليدية.
ومن السلبيات التي يراها "مرشو" في حركة الثقافة العربية في القرن التاسع عشر هو أن جهود الترجمة التي قامت بها الصحافة والجمعيات الثقافية والأفراد نظرت إلى التاريخ الإسلامي نظرة انتقائية، فعملت من ناحية على تطوير الفكر الغربي وتفكيك النظريات الإسلامية والثقافة العربية، والانتقاص منها من ناحية أخرى، وكان من نتائجها بروز جدل العقل والإيمان والثقافة الكونية، والتركيز على التبشير بالفكر الغربي، وليس إعمال النظر فيه.
ويرى المؤلف أن انعكاسات الثقافة الغربية كانت أكثر خطورة في تركز السلطة ونمو المدن، بينما تراجع التطور الصناعي، وتشوه نظام الملكية وانحاز لفئات محدودة، ونشط دعاة الحداثة في تكسير البنى الاجتماعية الطبيعية -كالأسرة- لأجل تغريبها على أساس المنهجية والفلسفة الغربية، وترويضها عن طريق آلة الدولة القومية، وربط الشريعة بالمنفعة السياسية، ومقاربتها مع المعايير والقيم الرأسمالية، وربط التطور الاجتماعي والاقتصادي بالإطار الأوروبي، واستعادة الأفكار والمؤسسات كشرط للنهضة، وتمجيد مآثر الاستعمار، والدعوة لإصلاح الحكومة على الأساليب الغربية، وذلك دون إدراك للخلاف العميق بين طبيعة المجتمع في أوروبا والعالم العربي.
لقد ركزت جهود المثقفين وتحالفهم مع الدولة على توطيد أسس الدولة العلمانية، على نحو يتعذر معه مزاحمة مشروع آخر، حتى وصلت الأمور إلى أنه من الضروري تشويه الدين باعتباره عقبة أمام التقدم، واستبداله بعلمانية عقدية تشمل المسلم، والمسيحي، واليهودي على السواء، وتعمل على مطابقته مع الأخلاق الرأسمالية.
وقد نظر المبشرون بالعلمانية -وهم من المسيحيين- إلى التخلف العربي على أنه نتيجة فساد الحكم، وأن إصلاحه يقتضي أمورا تحقق العدالة على مبادئ الثورة الفرنسية، ومن بينها فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية، والتي تطورت فيما بعد إلى فصل الدين عن الدولة، فالحل كما يراه أنطون سعادة -على سبيل المثال- هو في تصفية الدين سلاح الرعاع.
وفي سياق الترويج لهذه التوجهات، استخدمت الدعوة للحرية لكشف وتعرية السلطة وإضعافها، والحد من سلطة الحاكم، وقد ترتب على هذا جدل حول التعامل مع مساحات الفراغ في السلطة في ظل التخلف الاجتماعي؛ حيث إن التوسع في الحرية سوف يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، ولذلك انصب الاهتمام على تقييد سلطة الحاكم، وتقليص سلطة الدولة العثمانية، وليس حرية المواطنين، وقد تم توظيف هذه السياسة منذ ذلك الحين وحتى العصر الحاضر في خدمة التغلغل الأجنبي، وإخضاع الحكام العرب لهيمنة الدول الكبرى، تحت زعم التدخل الإنساني والتحول الديمقراطي.
الفكر الإصلاحي والتغريب
لقد استهدف التغريب -كما يرى "مرشو"- هز الأرضية التي تقوم عليها الثقافة والقيم الوطنية؛ فكانت فكرة الدولة القومية مقابلة لمفهوم الأمة بشكل أثار الدعوة إلى إعادة صياغة تاريخ الإسلام وتأويله تبعا للمنهجية الغربية.
ويرجع "مرشو" فشل حركات المقاومة في مواجهة التغريب إلى انخفاض درجة تطورها السياسي، وغياب البرامج المتماسكة التي تستوعب المرحلة التاريخية التي تعايشها؛ فقد عانت هذه الحركات من الضعف الأيديولوجي والتنظيمي، بشكل أقعدها عن التعامل مع التطورات الحديثة؛ وهو الأمر الذي يثير الإشكالات حول قدرات حركات المقاومة للنفوذ الأجنبي والهيمنة في الوقت الحاضر؛ إذ المشكل لا يزال قائما، ويتماثل مع خبرات الحركات السابقة في ضعف التكيف مع المستجدات في الوضع الدولي ونظم الحكم المحلية، ومحاكاة النموذج البروتستانتي في التحديث.
ويشير المؤلف هنا إلى قضية مهمة تتمثل في أن التحديات أمام الحركات الإصلاحية الإسلامية شديدة التعقيد، خاصة في ظل تزايد الفجوة المعرفية مع الغرب، وهذا ما يقلل من قدرتها على مواجهة سياسة وحركات التغريب، وبالتالي فإن عليها إعادة ترتيب صفوفها لخوض معركة الجدل الثقافي حول القضايا الكبرى.
وفى تحليل مرشو لتعامل المفكرين المسلمين مع تيار التغريب يذهب إلى أن تبني الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا منهجا دفاعيا، لم يكشف عن القوة الكامنة في العقيدة الإسلامية، والدافعة للتقدم بقدر ما أدى إلى القبول بكثير من مقولات الاستشراقيين عن وجود علاقة بين الإسلام والتخلف، وإبعاد العقيدة عن شئون المجتمع.
ويطلق المؤلف مصطلح الحرب الوسطى على هذا المنهج، والذي يرى أن الإسلام هو نظام حضارة، ويركز في ذات الوقت على طهارة الدين، وقد تجسد هذا المنهج من خلال فكر محمد عبده ورشيد رضا، وركز كل منهما على مقدمات منهجية جاهزة قامت على محور دفاعي تبريري يقوم على الجدلية الثنائية: الوحي والعقل، دون مراعاة لإمكانيات الواقع، والذهاب إلى حد تمجيد المذهب البروتستانتي، وتجنب التعامل برؤية نقدية مع مقولات التغريب، والتي تدعي بأن الإسلام ديانة بدوية، خاصة في مقولاتهم عن الإسلام بأنه ديانة بدوية لا عقلانية، وهنا يرى "مرشو" أن هذه المقدمات سهلت تمدد العلمانية، وفصل الدين عن الدولة.
ويرى "مرشو" أن الإصلاحيين المسلمين تعاملوا مع المعرفة الغربية بتكتيكات عرضية غير مخططة؛ فعملوا على نقل المعرفة دون الالتفات إلى السياق التاريخي والاجتماعي الذي تشكلت خلاله، فلم تكن لهم إستراتيجية واضحة في التعامل مع الاستعمار فيما يكيل المستشرقون الاتهامات للإسلام، وقد قبلوا بالدولة القومية ونظمها القانونية رغم ابتعادها عن النموذج الإسلامي، كما لم يفطنوا إلى خطورة الامتيازات الأجنبية باعتبارها تحديثا نحو العلمانية، وهنا يلفت المؤلف النظر إلى أن عدم تبلور نظرية متماسكة للنهضة الإسلامية أدى لتشوه وتضاد آراء المصلحين، وسهولة الاختراق العلماني للنخب المحلية وللإصلاحيين ذاتهم، ويدلل على ذلك باجتهادات "علي عبد الرازق" في مسألة الخلافة.
تفكيك الهوية والدولة
لقد أدى الفكر القومي وتحالفه مع أوروبا والاستعمار إلى الاعتداد الشديد بما يطلق عليه المؤلف "القوميات المصغرة"، وزيادة حدة الانقسامات والصراعات، ويرى "مرشو" أن القومية العربية تبنت إستراتيجيات كان من شأنها تدمير مفهوم الجماعة المسلمة دون أن تدرس وتمحص البديل الآمن والملائم للمنطقة العربية؛ فقد عملت على نقل الدولة القومية الأوروبية بجميع أبعادها الثقافية والسياسية دون مراعاة السياق التاريخي، وهو ما ترتب عليه تدمير التراث الديني والاجتماعي، وإزاحة الدين، والإساءة إلى القيم والرموز، واستبدالها بالتراث العلماني الغربي بجناحيه الليبرالي والاشتراكي.
لقد كان الهم الأول لتحالف القوميين مع الاستعمار هو تفكيك الدولة العثمانية، وإنشاء دولة قومية عربية، ولأجل تحقيق هذا الهدف يذكر "مرشو" أنهم دعوا إلى إنشاء دول قومية يقودها الجيش، ولهذا عملوا على إنشاء جمعيات ثقافية وأحزاب تمجد القوميات المحلية: الفرعونية، والفينيقية، والكنعانية، في مقابل الإسلام الصحراوي البدائي.
غير أن المشكلة التي واجهت القوميين، كما يرصدها المؤلف، أنهم لم يضعوا تصورا للدولة الموعودة بقدر ما كان هدفهم التخلص من الدولة العثمانية، ولهذا تزايدت حاجتهم إلى الدول الأوروبية، بشكل أدى في النهاية إلى تنامي الولاءات المحلية في مواجهة الفكر القومي الوحدوي والدول في استبداد الدولة القومية بمواطنيها.
القوميون وإشكالية الدولة
لقد ظلت الفكرة المهيمنة على أدبيات القوميين العرب تقوم على أن التضامن الاجتماعي والمكونات الطبيعية للمجتمع تمثل عقبة أمام مشروعهم "التحديثي،" وهنا يذهب "مرشو" في تحليله لكتابات القوميين العرب منذ بداية القرن العشرين، إلا أن هذه الكتابات ركزت على تجسيد الانقسامات الاجتماعية والتمايزات الطائفية والإثنية، وأنهم تحالفوا مع الدولة لتدمير الذاكرة الاجتماعية، وتعزيز الوظيفة العقابية للدولة، وذلك في إطار إستراتيجية لتجاوز الحضارة الإسلامية، وتكريس العودة النفسية لفترة ما قبل الإسلام.
وفى هذا السياق، يشير المؤلف إلى الخبرتين: اللبنانية والمصرية؛ للدلالة على إستراتيجية التحالف، والتي تصب في صالح الاستعمار ومشروعاته؛ حيث تشتركان في تفكيك المجتمع إلى مكونات أولية متصارعة.
ويلحظ "مرشو" أن القوميين العرب قد تماهوا مع الليبرالية، وفعلوا ذات الشيء مع الماركسية كمخلص من التخلف، وأنهم قد وقعوا في أخطاء جمة، فلم يكن مشروعهم للخلاص عبر الأحزاب الشيوعية مستقلا عن السياسة السوفيتية، فكانت الأحزاب الشيوعية وسيلة لاستقبال وتنفيذ السياسة السوفيتية، كما تحالفت الماركسية ضد البرجوازية، بينما لم تتبلور الطبقة العاملة المحلية، ولذلك يرى "مرشو" أن الماركسيين العرب -كأسلافهم من الليبراليين- واجهوا أزمة تكيف، وهذا ما يفسر دخول النخبة الساعية للتغير في صراع مع المجتمع.
هذا الكتاب يلقي الضوء على فكرة على درجة من الأهمية، وتتمثل في كيفية صناعة البنية الممهدة للاستعمار والتغريب، وبناء التحالفات مع النخب، وعلى مدار صفحات كتابه ناقش "مرشو" هذه الفكرة، واستطاع توضيح السياسات الغربية في تكوين الأفكار القومية التجزيئية.
باحث دكتوراه في معهد الدراسات الافريقية







منقول

حاول أن تقول "لا" لتحافظ على وقتك *


من الجوانب الهامة لكي تكون رئيساً لنفسك أن تسيطر على أكثر مصادر قوتك قيمة وهي الوقت. أنت في حاجة إلى أن تحرس وقتك بطريقة عاقلة من أجل ضمان استغلاله بشكل أساسي في السعي وراء تحقيق الأهداف والأنشطة الهامة لك. وذلك لأن الأشخاص الذين لا يدافعون عن أنفسهم يكونون عرضة بشكل أكيد للاستغلال من قبل من حولهم من الناس الذين يستطيعون فعل ذلك.

هل تعتبر ردك على الآخرين بالرفض تجربة عصيبة؟ عدد كبير من الناس يفكرون في المسألة بهذه الطريقة. فهم عندما يطلب منهم أحد الأشخاص تقديم خدمة له, يحسبون أن هذا الشخص لا بد أن لديه سبباً وجيهاً لطلبه هذا ومن ثم يحاولون الاستجابة. وهم يعتبرون أن طلب الآخرين لهم نوع من المديح, كما أن أحداً لا يعلم متى قد يحتاج إلى خدمة من الآخرين في المقابل.

والأشخاص الذين لا يستطيعون قول " لا ", تنتهي بهم الحال ليصبحوا في حالة من الإسراع الدائم من أجل الوفاء بما فرضوه على أنفسهم من التزامات تجاه الآخرين, وكثيراً ما ينكرون في غضون ذلك أولوياتهم الخاصة بما فيها عائلاتهم وأصدقائهم.

عندما يطلب منك أحد القيام بشيء ما, فلا تسأل نفسك: هل عند وقت لذلك؟ لأنك إذا فتشت في جدول مواعيدك جيداً, فستكون قادراً على إيجاد وقت خال من الارتباطات. بدلاً من ذلك, اسأل نفسك: هل هذا مهم لي حقاً؟ وإذا لم يكون كذلك لا تفعله.

ماذا لو جاء هذا المطلب من رئيسك؟ قد لا تكون لديك في هذه الحالة نفس المهلة فيما لو جاءك من أحد الزملاء أو المعارف. هذا صحيح ولكن لا زال لا يتعين عليك أن تقول نعم بشكل آلي. أوضح له ما أنت بصدد القيام به ودعه يقرر ما إذا كان ما يريدك أن تفعله أكثر أو أقل أهمية من أولوياتك الحالية. قد يساعدك حتى عن طريق تكليف شخص آخر بأحد مشروعاتك. دافع عن نفسك وعن أولوياتك.
* 1001 طريقة لأخذ المبادرات في العمل, بوب نيلسون, مكتبة جرير للترجمة والنشر والتوزيع, ص 110-111, الطبعة الأولى 2001.

الجماعات التبشيرية في اليمن



بقلم

د محمد النعماني on اكتوبر 15,2007

المسيحية...الماضي ... الحاضر ...أحب ان اواضح ان المسيحية دخلت اليمن حسب مااشار اليها الدكتور يوسف محمدعبدالله بعد اندثار المسيحية. ويبقى احتمال أن قرية ماريا في سفح المصنعة قرية منيعة وتشبه ديرا من الأديرة ربما كانت في مرحلة لاحقة من القرن الخامس الميلادي مقرا لدير مسيحي خلال انتشار المسيحيين في اليمن وسمي موقع القرية باسمها، وإذا كان هناك من أثر لكنيسة فربما كان في موضع القرية حاليا وليس في موقع المدينة على الهضبة. وقد سميت المدينة بعد ذلك باسم حامية القرية ماريا والتي مازالت تحمل اسمها إلى اليوم.
ومصنعة في اللغة اليمنية القديمة وفي لغة أهل اليمن معناها القلعة الحصينة من الفعل صنع وتصنع بمعنى حصن وتحصن. ومن ذلك صيغة فعلاء مثل حسناء والتي صيغت على غرارها تسمية صنعاء معنى المدينة الحصينة. وتصغير مصنعة هي مصينعة ويعرف بهذا الاسم مواضع كثيرة في اليمن ومنها المصانع وهي جبال عالية وحصينة تقع في اليمن ومنها المصانع وهي جبال عالية وحصينة في سلسلة جبال الهضبة الغربية ومنها جبال حضور وكوكبان وغيرها. وقد قيل في المثل البرد حل المصانع ومسكنه بيت علمان وله عوائد في الاشمور.
ويدل النقش المذكور أن تسوير المدينة بكثافة وتحصينها وتعزيز أبوابها وشق مسالكها (ثقلها) كان في عهد الملك الحميري ثاران يهنعم بن ذمار علي يهبر ملك سبأ وذي ريدان والذي عاش في الربع الأول من القرن الرابع الميلادي وجدير بالذكر أن النقش المذكور مؤرخ عام 434 بالتقويم الحميري بما يقابل في التاريخ المعروف 319 بعد الميلاد. ويرجح أن المسيحية دخلت اليمن في عهد الملك ملكي كرب يأمن ابن صاحب النقش الملك ثاران يهنعم. وملكي كرب يهامن هو أبو الملك الشهير بالتبع اليماني وهو أسعد الكامل أبي كرب أسعد، ولعل هذا التوافق التاريخي يوضح علاقة مصنعة ماريا بالموروث المسيحي وإن كان ازدهار المدينة قد تم في عهد وثني سابق و تتفق الدراسات كما تقول د. سلوى بالحاج صالح على أن أولى عمليات التبشير الجدية في اليمن المرتكزة على أساس تاريخي صحيح تعود إلى القرن الرابع الميلادي. ويعتمد هذا الرأي على الرواية اليونانية المتعلقة بالأسقف الآريوسي تاوفيل. وتقول هذه الرواية ان الامبراطور قسطنسيون (361-337) المتشيع للآريوسية، ارسل قبل سنة 356 م وفداً من الرومان إلى ملك "حِمْيَر". وكان يترأس هذا الوفد تاوفيل، وخلال فترة وجوده بالمنطقة بشر بالدين المسيحي رغم معارضة الطوائف اليهودية. وشيد ثلاث كنائس، الأولى في حاضرة الحميريين "ظفار"، والثانية في عدن على الساحل حيث كان ينزل البيزنطيون للمتاجرة. والثالثة عند مدخل الخليج العربي في "فرضة" يُحتمل أنها "هرمز".
يؤدي بنا الاعتماد على هذه الرواية إلى بعض الاستنتاجات: ; كما تري الباحتة الدكتورة سلوي أولاً: دخول المسيحية الآريوسية إلى بلاد اليمن في القرن الرابع الميلادي. والآريوسية من الطوائف المسيحية الشرقية التي تنسب إلى الكاهن المصري آريوس (توفي سنة 336م) الذي بدأ في نشر آرائه حول طبيعة الابن قبل سنة 320م بقليل في الإسكندرية. ولقد كفّره من أجلها مجمع عقد في الإسكندرية حوالي سنة 320-321م. كان آريوس يقول: "إن الله واحد غير مولود، لا يشاركه شيء في ذاته. فكل ما كان خارجاً عن الله الأحد إنما هو مخلوق. أما "الكلمة" فهو وسط بين الله والعالم. فالكلمة "مخلوق" بل إنه مصنوع، وإذا قيل أنه "مولود" فبمعنى ان الله "تبناه". ويؤدي ذلك غلى أن "الكلمة" غير معصوم طبعاً، ولكن استقامته حفظته من كل خطأ وزلل. فهو دون الله مقاماً". وهكذا فإن هذا المذهب يقوم على إنكار اللاهوت في المسيح وتصوره إنساناً محضاً، مخلوقاً ومهماً وعظيما. ولذلك أجمع الآباء في "نيقيه" على تكفيره وعلى الاعتراف بأن المسيح إله وأنه من جوهر أبيه وأنه مساوٍ للآب في الذات والجوهر. وخرجو بالصيغة العقدية الواضحة التي لم تزل عليها الأجيال المسيحية في سر الثالوث وهي: "إن الله واحد في ثلاثة أقانيم". وما يلفت الانتباه قول "البيروني" إن رأي الآريوسية في المسيح أقرب إلى ما عليه أهل الإسلام.
ثانياً: استناداً إلى بعض المعلومات الواردة في الرواية يمكننا تفسير دخول المسيحية إلى اليمن في هذه المرحلة باتصالها بالتجارة البحرية البيزنطية في البلاد، واتقصارها على السواحل. ولعله لهذا السبب نتردد في تقييم نتائج هذه الحملة فيما يخص نجاح "تاوفيل" في نشر النصرانية بين عرب اليمن وملوكها خصوصاً وان المسيحية لم تتمكن من الثبات والصمود أمام تقوي نفوذ اليهودية في تلك الفترة، مما أدى إلى خمود الحركة المسيحية لمدة قرن على الأقل (القرن الخامس الميلادي).
هذا ما تراه المصادر النصرانية اليونانية فيما يتعلق بنشر المسيحية في اليمن. اما المصادر النسطورية فلقها رأي آخر في الموضوع إذ ترجع تاريخ دخول المسيحية إلى نجران إلى بداية القرن الخامس بواسطة تاجر نجراني يدعي "حيّان" أو "حنّان"، كان قد تنصر في الحيرة ثم عاد إلى موطنه وبشّر فيه. إلا أن هذه الروايات لا تشير إلى وجود تنظيم كنسي ملموس بنجران في القرن الخامس الميلادي.
وبالرغم من تشكيك أهل الختصاص في مصداقية الروايات العربية حول جور المسيحية في اليمن ونعتها ب"السقم" و"الغموض" لاحتوائها على عناصر أسطورية لا تنكر، فإن ذلك لا يمنعنا من الاطلاع على هذه الروايات و التدقيق في أخبارها ومعرفة مدى اطلاع الطرف العربي على تاريخ المسيحية في اليمن ونوعية الحجج والأدلة التي يقدمها.
يورد "الطبري" في تاريخه روايتين حول بداية تنصر أهل نجران فحواهما أن مصدر النصرانية في هذه المدينة رجلان واحد يدعى "فيمون" من أهل الشام والآخر أحد أشراف نجران وهو عبدالله بن ثامر. وما يمكن الاحتفاظ به من هذه الروايات هو اسم نجران فهي تدل دلالة واضحة على دخول المسيحية نجران دون غيرها من مناطق اليمن. لكن مقابل ذلك، لا نستطيع استنتاج أي تحديد زمني.
وللأحباش روايات عن انتشار المسيحية في اليمن خلاصتها أن قديساً يدعى "أزقير" أقام كنيسة ورفع الصليب وبشّر بالمسيحية في نجران في النصف الثاني من القرن الخامس. ويتبين من تفاصيل الرواية الحبشية أن القبائل العربية خارج نجران عارضت عملية التبشير المسيحية.
هلك هي أهم الروايات عن بداية نتشار المسيحية في جنوب غرب شبه جزبرة العرب. وهي تؤدي بنا إلى الخروج بعدة ملاحظات، أهمها أن نجران من أقدم المراكز التي عرفت المسيحية في المنطقة. وذلك منذ بداية القرن الخامس وعلى حساب الوثنية واليهودية، لكنها لم تتغلب على اليهودية اذ بقيت مقهورة أما تقوّي هذه الأخيرة.
ومنذ القرن السادس انطلقت الحملات التبشيرية المونوفيزية (ذات الطبيعة الواحدة) في اليمن. إذ تم تعيين أسقف "مونوفيزي" في اليمن يدعى "سيلفانوس" حوالي سنة 500م من قبل الامبراطور "انسطاس" المونوفيزي (491م – 518م). ومن الشواهد على انتشار المونوفيزية في اليمن منذ أوائل القرن السادس اهتمام الآباء المونوفيزيين بأمور كنيسة اليمن مثل مار فيلكسينس المنبجي (توفي في 523م) الذي كتب رسائل عديدة إلى الحميريين وأهل نجران. وما يعقوب السروجي (توفي في 521م) الذي كتب أيضاً رسائل عديدة إلى الحميريين.
وتحق لنا الإشارة في نطاق دراستنا لتطور المسيحية في اليمن إلى اضطهاد الملك اليهودي "ذي نواس" للنصارى هناك. إن مجرد إلقاء نظرة على المصادر المتعلقة بهذا الاضطهاد والدرسات التي اهتمت به، لتبين لنا غموض الاسباب التي دفعت بذي نواس إلى تقتيل نصارى اليمن وخصوصا ًنصارى نجران والضبابية التي أحاطت بهذا الحادث الذي تم على مرحلتين الأولى في سنة 523م والثانية في سنة 524م.
لكن ما يتضح جلياً في هذا الموضوع. أن اضطهاد "ذي نؤاس" شمل مراكز مسيحية عديدة باليمن وهي "ظفار" و"مَخا" و"مأرب" و"نجران". كما شمل مناطق أخرى من جنوب غربي البلاد العربية مثل "حضرموت" و"هجرين". وعن هذا الموضع الأخير يقول ياقوت إن الأمر يتعلق بمدينتين متقابلتين في راس "جبل حصين" بحضرموت يقال للواحدة منهما "خيدون" وللأخرى "دمون". وساكن "خيدون" "الصدف" وساكن "دمون" "بنو الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار" من "كندة".
كما تجدر الإشارة إلى أن "ذا نواس" ركز على "بني الحارث بن كعب" بنجران في اضطهاده للنصارى. ومما يلفت الانتباه في شأن بني الحارث، الوصية التي تركها الشهيد الحارث بن كعب لعشيرته والتي صرح بها أما النجرانيين وأمام ذي نواس. إذ قال:"أيها المسيحيون والوثنيون واليهود اسمعوا: إذا كفر أحد بالمسيح وعاش مع هذا اليهودي، سواء أكانت زوجتي أم من أبنائي وبناتي أم من جنسي وعشيرتي، فإنه ليس من جنسي ولا من عشيرتي وليس لي أية شركة معه، وليكن كل ما أملكه للكنيسة التي ستُبنى بعدنا في هذه المدنية. وغذا عاشت زوجتي أو أحد أبنائي وبناتي بأية وسيلة كانت، ولم يكفروا بالمسيح، فليكن كل ما أملكه لهم ولنخصص للكنيسة ثلاث قرى من ملكي تختارها الكنيسة نفسها".
وسواء لحق التحريف بهذه الوصية تعمداً أو تناسياً من قبل النقالة، فإن اهميتها تكمن في إثبات تنصر بني الحارث بن كعب وفي فهم أسباب تشبثهم بالمسيحية رغم اضطهاد ذي نؤاس.
ويحق التصريح من ناحية أخرى بأن المسيحية كانت ديانة "الفَرَسانيين" بمدينة "مَخا" و"بني الصدف" و"بني الحارث بن عمرو المقصور بن حجر آكل المرار الكنديين" في "هجرين" بحضرموت. ومن المهم التنبيه إلى أن تنصر الكنديين ظاهرة قديمة تعود إلى عهد تسلطهم على وسط شبه جزيرة العرب وشمالها أي قبل عودتهم إلى موطنهم الأصلي (حضرموت) في النصف الثاني من القرن السادس بقيادة عمرو بن أبي كرب بن قيس بي سلمة بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار.
ولا بد هنا من التمييز بين الأحياء الندية المتنصرة العائدة إلى موطنها في منتصف القرن السادس وبين بطون كندة التي لم تهاجر في الجنوب وكانت قد اعتنقت الديانة اليهودية مثل بين الحارث الأصغر.
فترة التجديد وتغلب العقائد المونوفيزية (525 – 575م)
استولت أثيوبيا على اليمن سنة 525م وقضت على ملكها اليهودي "ذو نواس". ولقد تميز تاريخ المسيحية في اليمن خلال ولاية الحبش عليها بظاهرتين بارزتين: أولهما انتعاش المسيحية وانتشارها من جديد بسرعة كبيرة. وكما يتأكد من النقائش التي تشتمل على صيغ مسيحية صريحة ومن شواهد المصادر العربية على جهود الحبش في سبيل نشر ديانتهم وتدعيمها بين سكان اليمن. فقد أقاموا في "صنعاء"، حاضرة ملكهم، كنيسة عظيمة هي التي عرفها العرب باسم "القلّيس" وذكروها في تواريخهم ووصفوها في كتبهم.
أما الظاهرة الثانية التي تسترعي الانتباه في هذه الفترة من تاريخ المسيحية في اليمن فتخص طبيعة المذهب الذي نشره الأحباش. وهنا يحق التصريح بأن الأمر يتعلق بالمذهب المونوفيزي وبالتحديد اليعقوبي.
كما ظهرت في اليمن خلال القرن السادس فرقة مونوفيزية هرطقية هي فرقة "اليوليانية"، نسبة إلى مؤسسها "يوليانس الهاليكارناسي" أسقف "هاليكارناس" في آسيا الصغرى زمن "ساويرس" بطريرك أنطاكية. ويعود تاريخ نشأة هذه الفرقة إلى سنة 520م. وهي تتميز بالقول بالطبيعة الواحدة في المسيح (الطبيعة الواحدة بعد التجسد مثل بقية المونوفيزيين)، غلا أنها تؤمن "بلا فسادية جسد المسيح". أي أنها تعتبر جسد المسيح غير مائت. لذلك لقب أتباع هذه العقيدة ب Aphthartôlatres أو اليوليانيين.
توجد أقدم الشواهد على دخول اليوليانية إلى بلاد اليمن في التاريخ "السعرتي". فقد جاء فيه أن لاجئين من اليوليانيين هربوا إلى الحيرة في عهد الجاثليق شيلا (توفي في 521م) غير أن النساطرة أجلوهم عنها. ومضى نفر منهم إلى نجران فأقاموا فيها وزرعوا هناك العقيدة اليوليانية. أما ميخائيل الكبير فيؤكد أن العقيدة اليوليانية تمكنت من التأثير على النفوس البسيطة في بلاد البيزنطيين والفرس والحبش والحميريين. كما يخرنا في موضع آخر بإرسال الفرقة اليوليانية حوالي سنة 550م أسقفاً يدعى سرجيوس إلى بلاد حمير وبقي هناك يرعاهم لمدة ثلاث سنوات ثم خلفه أسقف آخر يدعى موسى.
اعتماداً على هذه النصوص، يمكننا التأكيد على وجود طائفة يوليانية عربية منظمة في اليمن منذ منتصف القرن التسادس إلى جانب العقيدة اليعقوبية. فهل بقيت هذه العقائد متغلبة بين صفوف مسيحيي اليمن بعد انتهاء ولاية الحبش بسبب تدخل الفرس وسيطرتهم على البلاد؟
المسيحية في اليمن في عهد الفرس وحتى ظهور الاسلام
انطلق الحكم الفعلي للفرس في اليمن سنة 597م لما نوبّوا عليه حاكماً هو "فهرز". فكيف ستكون علاقتهم بمسيحيي البلاد وموقفهم من العقائد المنتشرة فيها؟
يتبين من خلال تتبع وضعية المسيحية باليمن في عهد الفرس، أن سياستهم تجاه معتنقيها اتسمت بكثير من التسامح. وهو ما يتأكد من استمرار بناء الكنائس بالبلاد، لا سيما بناء كعبة نجران التي لا نستبعد أن تكون كنيسة تحمل تسمية وثنية. إذ لدينا من الحجج ما يؤكد ذلك. من أبز الشواهد على كون كعبة نجران كنيسة تعليق الأصفهاني في كتاب الأغاني على لفظة كعبة الواردة في شعر الأعشى، إذ قال: " والكعبة التي عناها الأعشى ها هنا يقال إنها بيعة بناها بنو عبد المدان على بناء الكعبة وعظموها مضاهاة للكعبة وسموها كعبة نجران، وكان فيها أساقفة يقيمون وهم الذين جاءوا إلى النبي ودعاهم إلى المباهلة". وما يدعم هذا الرأي تسمية ياقوت كعبة نجران في معجمه ب"دير نجران"، وهي تسمية مسيحية واضحة.
وقد نسبت المصادر العربية بناء كعبة نجران إلى أشخاص مسيحيين وهم عبدالمسيح بن دارس بن عدي بن معقل إو إلى صهره يزيد بن عبدالمدان بن الديان الحارثي أحد أعضاء الوفد النجراني الذي قدم إلى الرسول محمد. ومما يدعم فكرة بناء كعبة نجران في عهد الحكم الفارسي باليمن، شهادة أحد الشعراء المعاصرين لعهد الرسول وهو الأعشى، ميمون بن قيس البكري، إذ قال في قصيد له مخاطباً ناقته:
فكعبة نجران حتم عليك
حتى تناخ بابوابها
نزور يزيد وعبدالمسيح
وقيساً هم خير أربابها
أما مسألة تأثير الحكم الفارسي على طبيعة مسيحية اليمن فحولها أكثر من رأي. "فأندري" يقر بسيطرة المسيحية النسطورية على اليمن من مدة ولاية الفرس إلى ظهور الإسلام. وقد قال في هذا الصدد ما تعريبه:" في الفترة التي ظهر فيها محمد، بدت كنيسة جنوب بلاد العرب نسطورية". وهو مدين بهذا الاستنتاج إلى ما أورده ابن العبري في تاريخه عن وجود أسقف نسطوري يدعى "إيشوعيهب" ضمن الوفد النجراني الذي حضر لدى النبي محمد للتفاوض معه. وهو الاسقف المذكور في البلاذري. لكن هنري غريغوار يرفض استنتاج تماماً ويؤكد أن أغلب النجرانيين بقوا يدينون باليوليانية إلى زمن الرسول محمد. وحجته في ذلك أن الجاثليق النسطوري تيموطاوس (780 -823) وجد النجرانيين المطرودين من موطنهم منذ عهد عمر بن الخطاب، والمستقرين بوسط العراق، على مذهب يوليان وسعى إلى إدخالهم في العقيدة النسطورية.
أما نحن فلا ندعي أننا عثرنا على حجة جديدة ترجح أحد الرأيين، لكننا تولينا تحليل النص المتعلق بالوفد النجراني الذي حضر لدى الرسول محمد، لنستقريء، ما جاء فيه من تفاصيل. عسانا نعثر على ما يفيدنا في تحديد مذهب الأسقف وهويته فضلاً عن مذهب أعضاء الوفد النجراني المرافق له.
تقول في هذا الصدد رواية بسند ابن اسحق أن الأسقف "ابا حارثة بن علقمة البكري" كان يلقي المساعدة من ملوك الروم النصارى لبناء الكنائس. وقد بسطو عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم. إن ما يمكن استخلاصه من هذه الرواية أن أبا حارثة كان ملكانياً ولا نستبعد مساعدة البيزنطيين لنصارى نجران من أجل نشر عقيدة مناهضة لسياسة الفرس الدينية القائمة على بث النسطورية. والملاحظ أن هذا الاستنتاج يدعمه قول ثان لابن اسحاق نعرضه حرفياً كما أورده ابن هشام نظراً إلى أهميته:"كانت تسمية الأربعة عشر الذي يؤول إليهم أمرهم: العاقب وهو عبدالمسيح، والسيد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة البكري أخو بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، ونبيه، وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبدالله، ويحسن في ستين راكباً. فكلم رسول الله منهم أبو حارثة بن علقمة والعاقب عبدالمسيح والأيهم السيد وهم من النصرانية على دين الملك.
يؤكد هذا النص مرة ثانية انتماء نصارى وفد نجران للمذهب الملكاني (الأرثوذكسية). وهكذا نكاد نوقن بأن نصارى نجران كانوا على ثلاثة أصناف عند مجيء الإسلام. مونوفيزيون (يعاقبة ويوليانيون) وملكانيون ونساطرة. وعلى ظننا أن نساطرة العراق انتهزوا فرصة دخول الفرس اليمن لينشروا هناك عقيدتهم ولعلهم كانوا يبقوا إلى بثها قبل ذلك فعززوها. وربما نجد في توجيه الرسول دعوته إلى أساقفة نجران بالجمع دليلاً على تعدد المذاهب النصرانية هناك. وتتمثل الظاهرة الثانية التي تميزت بها كنيسة نجران عند ظهور الإسلام في بروز إكليروس محلي. ويكفي للدلالة على وجوده أسماء الاساقفة الذين احتفظت بهم ذاكرة أئمة النسب والمؤرخين وهم: الاسقف إيليا بن ذهل بن عمرو بن عامر بن ماء السماء، وعبدالمسيح بن نهد بن زيد من قضاعة. ويمكن إرجاع تاريخ تكون هذا الإكليروس إلى ما بعد ولاية الأحباش على اليمن، إذ كان أساقفة نجران وشمامستها في عهد اضطهاد النصارى من سكانها أجانب من الحيرة وفارس والحبشة والروم.
لكن ما المغزى من بروز ذلك الإكليروس المحلي؟ هل هو علامة على الاستقلالية عن الكنيسة الأم لا سيما كنيسة مصر و الحيرة والحبشة، أم هو مؤشر على فتور العلاقات بين الكنيسة الأبنة والكنيسة الأم عند ظهور الإسلام؟
نظن أن الاحتمال الثاني هو الأقرب إلى الواقع، غذ كان اليمن في الفترة القريبة من ظهور الإسلام تحت حكم الفرس الذين لا يهمهم كثيراً شأن المسيحية بل ربما ناهضوا تدخل الروم والحبش لأجل تدعيمها في اليمن. وربما جاز القول إن خروج الحبش من اليمن كان سبباً في انعزال المسيحيين فيه عن العالم المسيحي. وقد يكن ذلك سبباً في إضعافهم. وتجدر الإشارة عند هذا المستوى إلى إلى أن تركز النصارى بنجران لا يعني انعدامهم بالمدن اليمنية الأخرى. إذ كانت توجد كنائس في عدن وصنعاء ولاجزر المتخمة للساحل الغربي لليمن كجزيرة الفراسانيين التغالبة النصارى، إلا أن كنيسة نجران كانت أشهرها لعراقتها ونشاطها.
بعد هذا العرض والدراسه تخرج الباحتة با لملاحظات التالية:
أولاً: دخلت المسيحية بلاد اليمن بصورة ثابتة منذ القرن الرابع الميلادي، وتواصل فيها انتشارها على مراحل عديدة خلال القرنين الخامس و السادس.
ثانياً: دخلت المسيحية هذه البلاد عبر خطوط تبشير عديدة انطلقت من سوريا ومن مصر والعراق والحبشة. واخترق بعضها الصحراء العربية وسلك البعض الآخر البحر.
ثالثاً: ارتبط انتشار المسيحية في بلاد اليمن بالعلاقات التجارية والديبلوماسية التي جمعتها بالشام والعراق وبتعرضها للاحتلال الحبشي.
رابعاً: أدى تعدد خطوط التبشير المسيحي في اليمن إلى تعدد أصول المسيحية. فهي يونانية بيزنطية.
خامساً: منيت المسيحية العربية في اليمن وحضرموت با نتكاسات شديدة على يد اليهود، لا سيما في الربع الأول من القرن السادس. ثم تجددت بفضل الحبش. ولم تقع محاولات للقضاء عليها أو مناهضتها مع الفرس لكنها دخلت في عهدهم مرحلة من الجمود والانكماش، وهو ما لاحظناه من خلال تعطل الاتصالات بين مسيحيي اليمن وكنائس مصر والشام والحبشه. وفي ضوء هذه المعطيات يتضح أن المسيحية لم تكن الديانة الأكثر انتشاراً في اليمن عند ظهور الإسلام، عدا في بعض المواطن مثل نجران وصنعاء وعدن.
ولئن كانت الأوضاع السياسية في اليمن مسؤولة عن جمود المسيحية وتوقف نموها، فإن تعدد المذاهب المسيحية والاختلافات بينها هي السبب الأول في عدم نضج الكنائس اليمنية وانصهارها في كنيسة واحدة قوية.اما بالنسبه للحاضر فيمكن لنا الحديت بعد البحت والدراسه الي ان هناك عدد من التقارير المتعددة الجوانب والاهتمامات لعدد من المعنيين بالامر العربيه والانجليزيه
تشير إلى أن أول عمل تنصيري منظم بدأ في اليمن كان في مدينة عدن جنوبي اليمن في خمسينيات القرن الميلادي الماضي، أما في الشطر الشمالي - سابقاً- فكان حوالي عام 1970م وذلك من خلال منظمة فدائية تدعى (فريق البحر الأحمر الدولي) التي أسسها المنصر ( ليوني قرني) عام 1951 وكان يطلق عليها (الخيامون) وهم النصارى القادمون للعمل في البلاد الإسلامية في مجالات مختلفة كالطب والتعليم والتمريض وشعار هذه المنظمة (الإسلام يجب أن يسمعنا) وهدفها نشر الإنجيل بين المسلمين ، ومركزها الرئيسي إنجلترا، وتحصل على الدعم من الكنائس والأفراد ومنظمات العون النصراني ويشرف هذا الفريق على عدد من المشاريع التنموية في عدد من البلاد الإسلامية والأفريقية منها: جمهورية مالي، جيبوتي، باكستان، اليمن، تنزانيا، وبموافقة الدول المضيفة.
يتحرك نشاط التنصير في اليمن من خلال الكنائس - علي ندرتها والمستشفيات والجمعيات ذات الاهتمام الإنساني والمهتمة بالأمومة والطفولة والمعوقين والبيئة وتعليم اللغات والابتعاث الدراسي والسياحة ؛ سواء في أوساط اليمنيين أم أوساط اللاجئين الأفارقة ، وأغلبهم من الصوماليين.
وهناك أكثر من 150 ألف صومالي مقيم في اليمن ، منهم ما يزيد على 50 ألفاً مسجلين لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ، وهو ما يعطي النشاط التنصيري مساحة واسعة وأرضاً خصبة للتحرك .
ويعتقد بعض المهتمين أن هذا النشاط حقق عدة قفزات بعد عام 1990 والسبب يعود إلى ما يلي:
الاستفادة من الأجواء التي وجدت بعد وحدة شطري اليمن عام 1990م والسماح بوجود وعمل المنظمات الأهلية والطوعية بصورة أكبر، مع وجود رقابة قليلة على أعمالها وحركتها.
تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن - إثر أزمة الخليج الثانية - لأسباب منها : عودة مئات الآلاف من العاملين اليمنيين في دول الخليج ، وازدياد معدلات الفقر ،وبلوغ من هم تحت خط الفقر حوالي 24%.
نزوح مئات الآلاف من الصوماليين عن بلادهم ، إثر الحرب الأهلية إلى اليمن، ولا تزال موجات النزوح مستمرة وإن كانت بمعدلات أقل .
وثمة أسباب أخرى مثل : ضعف مستويات الرعاية الصحية ، وكثرة الأمراض والأوبئة ، وتدني مستويات التعليم لا سيما في أوساط المرأة.
ويتحرك التنصير في اليمن على محورين :
الأول: القيام بالتنصير وحمل بعض اليمنيين ضمنا على ترك الإسلام، وتُقَدَّيم النصرانية على أنها (الملخص) و(المنقذ) لأحوال البشرية .
ويساعد على ذلك استغلال فقر الناس وحاجتهم . وتقوم بعض الجهات بضمهم لصالح جهات تنصيرية من خلال تعبئة استمارات خاصة بهذا الغرض .
وذكرت بعض الإحصاءات أنه عن طريق البعثة المعمدانية الأمريكية ( مستشفى جبلة) تم تنصير 120 مسلماً ، وتعتمد بعض الكنائس توزيع الانجيل والمجلات النصرانية والأشرطة المسموعة والمرئية .
وعلى سبيل المثال قامت سفينة سياحية زارت عدن عام 99 بتوزيع الانجيل ، ومجلة اسمها ( FISHERS ) تدعو إلى اعتناق النصرانية، وهناك نشرة اسمها (الأشبال) تصدر من أسبانيا يتم تداولها في أوساط بعض الشبان اليمنيين.
والآخر: محاولة إفساد الشباب وزعزعة ثقتهم وعقيدتهم من خلال إغراءات مختلفة منها الرحلات والحفلات وعرض الأفلام وبعثات تعلم الإنجليزية في الخارج .. وعلى سبيل المثال فقد زارت امرأة تدعى ( سوزان اسكندر) من أصل مصري وعضوة في الجمعية الإنجيلية الفنلندية عدن - قبل أكثر من ثمان سنوات - وركزت في زيارتها على شريحة الشباب والفتيات ، تحت ستار تلمس احتياجاتهم وأحوالهم، وقد قامت بإجراء استبيان لصالح جامعة هلسنكي - في فنلندا - تضمن أسئلة مشبوهة من ضمنها:طبعا استناد الي تناولت الصحف في اليمن وانا اشك في ذلك الرويه
- ماذا ترتدين خارج المنزل ( شيذر - بالطو - حجابا - منديلا - نقابا - بدون نقاب) ؟
- هل ترغبين في العمل خارج المنزل ؟ متى تستيقظين ومتى تذهبين إلى الفراش ؟
وقد زارت هذه المرأة مدارس إعدادية وعرضت على الطلاب صوراً خليعة وطلبت من بعضهم التعليق عليها، وسألت بعض الطلبة عما إذا كانوا يتفرجون على أفلام جنسية أو يمارسون العادة السرية)!!
الجماعات التبشيرية في اليمن
أبرز الكنائس والمنظمات: هناك جهات متعددة تتبنى التنصير في اليمن وسوف نكتفي بالإشارة إلى أهمها:
الكنيسة الكاثوليكية بالتواهي : أهم موقع كنسي تم افتتاحه في الخمسينيات إبان الوجود البريطاني في محمية عدن، وربما تكون أهم كنيسة تم بناؤها في شبة الجزيرة العربية، أعيد افتتاحها مع مركز طبي ملحق بها عام 1995 من قبل السفارة الأمريكية بصنعاء.
البعثة النصرانية المعمدانية الأمريكية بإب : تنشط من خلال مستشفى جبلة التابع لها والكنيسة الملحقة بالمستشفى بصورة قوية ويمتد نشاطها إلى محافظة تعز تحت شعار الاهتمام بالفقراء ودور الأيتام وسجون النساء.
أطباء بلا حدود: بعثة طبية تدعو إلى اعتناق المسيحية بالإغراء بالمال ؛ مستغلة حاجة الناس وفقرهم، وذكرت بعض الأنباء الصحفية أنها استطاعت تنصير عدد من الأسر في بعض أحياء مدينة عدن.
وبعثة الإحسان: لها نشاط في تعز والحديدة وخصوصاً في أوساط المصابين بالجذام والأمراض العقلية وكان لها ارتباط مباشر بالمنصرة الهندية المعروفة بـ ( الأم تريزا )، ولها مقر ملحق بالمستشفى الجمهوري فيه عشر راهبات ، وتشرف على دار للرعاية النفسية بمحافظة الحديدة الساحلية ودارين للعجزة في صنعاء وتعز.
المعهد الكندي بصنعاء: يتخذ من تعليم الإنجليزية غطاء لأنشطته، وتتميز دوراته بقلة التكلفة مقارنة بتكلفة دورات المعاهد الأجنبية الأخرى ، ويعتمد على الرحلات وحفلات نهاية الدراسة المختلطة ،ويستمر التواصل بين المدرسين الكنديين مدة إعارة كل منهم سنة واحدة وطلابهم حتى بعد عودة المدرسين لبلادهم وكثيراً ما يثير هؤلاء مع طلابهم نقاشات تتضمن إثارة الشبهات حول الإسلام.
لا توجد لدى الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال الدعوة الإسلامية أولوية للتصدي للتنصير المستتر في اليمن .وتعتبر الجهود ضئيلة في الكشف عن هذه المؤسسات وتعريف الرأي العام بها وبأخطارها ، والأهداف الخفية لعملها ، ومن خلال النشاط المضاد للتبشير بالإسلام وهديه في أوساط الجاليات الأجنبية والأفريقية والآسيوية العاملة في اليمن، وتوجد في هذا الصدد لجنة اسمها ( لجنة التعريف بالإسلام ) مقرها صنعاء ومركز الدراسات الشرعية ومقره مدينة إب.نصارى يمنيونوقبل أن نختتم هذا الموضوع نشير كل التقارير إلى وجود أقلية نصرانية في اليمن تحمل الجنسية اليمنية، وهم عدد قليل من الأسر تعود إلى أصول هندية مقيمة في عدن منذ عدة عقود، وقد كفل الدستور اليمني لهذه الأسر الحق في التسجيل والمشاركة في الانتخابات، وفيما يخص الشعائر الدينية وأماكن العبادات توجد في مدينة التواهي بعدن الكنيسة الأنجليكانية الكاثوليكية ( كنيسة المسيح ) وهي كنيسة قديمة يعود بناؤها إلى خمسينيات القرن العشرين إبان الوجود البريطاني في عدن وتتبع هذه الكنيسة المجمع الكنسي في لارنكا بقبرص ، لكنها ومنذ إعادة افتتاحها عام 1995 ماتزال تدار مؤقتاً من قبل الإدارة الإنجليكانية في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ، ويوجد في الكنيسة مركز طبي كنسي ملحق بها يقدم الخدمات الصحية .
وحتى فترة قريبة كانت توجد كنيسة معمدانية في مدينة كريتر بعدن ولكنها ألغيت وتحول مبناها إلى منشأة حكومية، كما توجد في المعلا بعدن مقبرة نصرانية تضم رفات كثير من المسيحيين وتشرف كنيسة المسيح بالتواهي على هذه المقبرة، وتخلو المحافظات الشمالية من أية كنيسة ؛ لكن الأجانب المسيحيين يقيمون صلواتهم يوم الأحد بانتظام في بيوت خاصة مستخدمة دورا عبادة خصوصاً في صنعاء.
وبوجه عام فالنصارى اليمنيون ممنوعون من القيام بعمليات تنصير ، وللغرض نفسه تشير بعض المصادر إلى تعرض الرسائل الخاصة برجال الدين المسيحيين للمراقبة بانتظام، وقد تعرضت كنيسة المسيح بالتواهي بعدن لعملية تفجير بعبوة ناسفة في الأول من شهر يناير الجاري على يد أشخاص محسوبين على جماعات الجهاد أسفر عن إحداث أضرار مادية في مرافق الكنيسة ، وتجري حالياً محاكمة هؤلاء الأشخاص.
وأغروني بالأموال والسفريات والنساء " نعم أنا كنت مسلم.. لكني تركت الإسلام واعتنقت المسيحية .. والسبب خطبة الجمعة وعلاقتي القوية بمدرستي الخاصة في صنعاء التي تعرفت فيها وأنا في السابعة من عمري على الدين المسيحي ، وأمنت به بعد سبع سنوات أي وعمري أربعة عشر عاما". بهذه الكلمات البسيطة، في موقع مارب برس يشرح " ابن صنعاء " مدير تحرير الموقع الالكتروني "اليمن من أجل المسيح للصحفي عقيل الحلالي " رحلة التحول الديني من الإسلام إلى المسيحية، والظروف التي أدت لهذا التغيير، رافضا في نفس الوقت الكشف عن هويته خوفا من تطبيق حكم الردة عليه" لأن المطاوعة في اليمن لا يمزحون"، بحسب قوله في يناير الماضي، حذرت رابطة العالم الإسلامي من النشاط الواسع الذي تقوم به جهات تنصيرية في اليمن ، مشيرة إلى أن المنظمات التبشيرية نجحت في الأشهر القليلة الماضية في تنصير 120 يمنيا ينتمون إلى محافظة حضرموت، إضافة إلى أعداد أخرى من اللاجئين الصوماليين والإريتريين في المعسكرات المقامة بجنوب اليمن .
وأعادت رابطة العالم الإسلامي أسباب نجاح جهود التنصير في اليمن إلى إهمال المسلمين مساعدة ورعاية إخوانهم وانتشار الفقر والبطالة والجهل والأمية والحروب ووقوع ظلم وتمييز عنصري وقبلي في بعض المناطق، ومتاجرة بعض المتحدثين باسم الإسلام بالإسلام، وتجميع ثروات من ذلك، والتطرف والعنف والقتل والمذابح التي ترتكب من قبل جماعات إسلامية، والفساد في الدول الإسلامية الذي قالت انه يحرم بسببه كثير من الناس من حقوقهم .
وبحسب تقارير إعلامية فإن التنصير في اليمن ينشط عن طريق الجمعيات الدولية ذات الاهتمام الإنساني والمهتمة بالأمومة والطفولة والمعوقين والبيئة والسياحة ، إضافة إلى المدارس الخاصة ومراكز تعليم اللغات والابتعاث الدراسي.
وتشير التقارير الصادرة عن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إلى إن عدد الجمعيات والمنظمات الأهلية العاملة في اليمن يصل إلى أكثر من 4800 جمعية ومنظمة تنشط على مستوى الجمهورية. حديث مع مسيحي يمني: يقول ابن صنعاء الذي تزوج من مسيحية عربية ويعمل في دولة غربية "اعتنقت المسيحية وأنا في اليمن وتعمدته أيضا في اليمن " موضحا أن التعميد هو أن "تشهد باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد". ويضيف أن السبب في تركه للإسلام هو خطبة الجمعة المليئة بعبارات القتل والإرهاب التي كان يضطر أن يسمعها مرة كل سبعة أيام، معتبرا أن الدعاة المسيحيون لا يمكن أن يحرضوا على قتل الغير كما يفعل خطباء المساجد في بلاد المسلمين، على حد قوله.
وأشار إلى أنه يعود إلى اليمن كل عام لقضاء إجازته السنوية ، منوها بأن أهله على علم باعتناقه المسيحية " وأنهم حاولوا إقناعي بالعودة إلى الإسلام لكني رفضت لدرجة أنهم قاطعوني سنة كاملة ، إلا أنهم في النهاية تقبلوا الأمر الواقع "ويؤكد ابن صنعاء وهو في العشرينات من عمره أن عدد المسحيين اليمنيين يصل إلى 2500 شخص وأن هناك 700 مسيحي خارج اليمن ، ويقول :" هناك عائلات يمنية مسحية في اليمن وأولادهم ولدوا مسحيين ونحن نتواصل فيما بيننا باستمرار سواء عبر الهاتف أو الانترنت".
ويشير إلى أن المسيحيين يمارسون شعائرهم الدينية كمجموعات "كل أسبوع في بيت احد المؤمنين المسحيين سؤ كان يمني أو أجنبي", كما أنهم "أي المسيحيون" يسعون لنشر دينهم عن طريق التبشير بين أوساط الشباب والنساء فيقول :" هناك مبشرين يمنيين ومبشرات يمنيات مؤهلين لنشر كلمة المسيح والمبشرات ينشرن الدين في الأوساط النسائية والمبشرون ينشرونه بين الرجال والشباب ".
ويعتبر المسيحي ابن صنعاء الذي يقول أنه من صنعاء القديمة وأحد أبناء الأسر المشهورة ، أن أبناء دينه مضطهدون في اليمن بسبب ملاحقة الأجهزة الأمنية لهم ومنعهم من التبشير للمسيحية ويقول :" لا تسمح الشرطة اليمنية لنا بممارسة شعائرنا الدينية جهرا أو بناء كنيسة خاصة وهذا كله بسبب حكم الردة في الإسلام".
ويستدرك قائلا :" صعب أن نغير القوانين اليمنية لأن الأكثرية مسلمة ، ونحن ليس لدينا أي طموح سياسي ، لأننا نهتم بملكوت الرب والحياة الآخرة "، مشيرا إلى أنه واثنين من أصدقائه صمموا موقعا في الانترنت على الرابط
www.yemen4jesus.com شعاره "اليمن من أجل المسيح ".
وأوضح أن الهدف من إنشاء موقعا على شبكة الانترنت هو تعريف أهل اليمن بالديانة المسيحية " وانقاذهم من الموت الروحي ، ونأمل أن نرى بيت الرب على ارض الواقع في اليمن".
وحول طلبي حضور الصحفي عقيل إحدى الشعائر الدينية لمواطنين يمنيين ، قال :" ابن صنعاء ... شعائرنا الدينية مقدسة وليست مسرحية للفرجة ، كما أننا حذرون ومحافظون علي إخوتنا اليمنيين المسحيين من أي مشاكل قد تعرقل الطريق الذي نحن ماشين فيه ، ونحن لنا سنوات طويلة نحاول بناء مجتمعنا ، لذلك صعب جدا أن نهدم كل شي في لحظة غباء ، سوف نصلي من أجلك حتى يعطينا الرب إشارة ومن ثم سوف نرحب بك ".حملات تنصير في صنعاء القديمة
:عبده الخولاني مواطن وصاحب محل فضيات في مدينة صنعاء القديمة كشف ( لموقع مارب برس( أن التبشير بالمسيحية أمر مألوف في صنعاء القديمة خاصة مع وجود الكثير من الأجانب الذين يفضلون السكن في مباني المدينة التراثية
ويضيف الخولاني إن السكان الأجانب يقومون بتوزيع الكتاب المقدس "الإنجيل" على المواطنين إضافة إلى الكثير من المنشورات الدينية التي تحفز على اعتناق المسيحية وترك الإسلام ، منوها بأن هذا الأمر يلقى استجابة من قبل بعض الشباب اليمني خاصة المحتاج والمتمرد .
عبده الخولاني الذي استطاع إجادة الإنجليزية والفرنسية والايطالية "بدرجة مقبولة" من خلاله اختلاطه المستمر مع أصدقائه الأجانب قال إن هناك علامة استفهام حول الثراء السريع لبض الشباب وامتلاكهم منازل وسيارات وسفريات ، منوها بأن هؤلاء الشباب على علاقة مستمرة مع الأجانب.
وأضاف :" حاول بعض الأجانب إقناعي باعتناق المسيحية لكني رفضت وأجريت مناقشات كثيرة معهم حول الدين الإسلامي ، ومع ذلك لا زلت صديقا لهم ".
وفيما أشار الخولاني إلى استمرار النصير في صنعاء القديمة ، قال عدنان البليلي أحد أبناء المدينة أن سعي الأجانب لتنصير أكبر قدر من المواطنين "أمر معروف وملاحظ ".
وأضاف أن هؤلاء الأجانب يقومون بتوزيع نسخا من الإنجيل على المواطنين كمدخل "لتعريفهم مبادئ الدين المسيحي" ، وأعطاني نسخة من الكتاب المسيحي حصل عليه من "جاره المسيحي الأجنبي" .
وأكد البليلي ايضا أنه يعرف شابا يمنيا ترك الإسلام واعتنق المسيحية وسافر إلى دولة أفريقية ، منوها بأن دافعه هو المال والعيش الرغيد .. وأخرى في المدارس والجامعات
مصادر محلية تحدثت عن شائعة أثيرت مؤخرا حول تنًصر ثلاث فتيات في مدرسة خاصة بمنطقة الجراف بأمانة العاصمة .
وأشارت تلك المصادر إلى صعوبة التأكد من حقيقة شائعة التنصير في المدرسة التي تقدم تسهيلات كبيرة لطلاب وأولياء الأمور "لدرجة تثير الشكوك خاصة وأن مديرة المدرسة مرتبطة برجل يحمل الجنسية البريطانية". وحسب أحدث بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، فإن عدد المدارس الخاصة في اليمن يبلغ 234 مدرسة يرتادها ما يقارب 74 ألف طالب وطالبة، في حين يبلغ عدد المدرسين الأجانب في المدارسة الخاصة 258 من أصل 4189 مدرس.
مترجم يعمل في مؤسسة رسمية أكد أنه تعرض قبل ثلاث سنوات وأثناء دراسته الجامعية لمحاولة تنصيره عن طريق إغرائه بالأموال والدراسة في الخارج . وقال ( م ع ) الذي طلب عدم الكشف عن هويته :" أن محاولات تنصيريه لم تكن بواسطة مبشرين مسيحيين أجانب وإنما من شباب وبنات يمنيات مسيحيات". ويقول :" كان لدي أصدقاء تعرفت عليهم في الجامعة ، وقد توثقت علاقتي بهم وأصبحت قوية لدرجة أني كنت أشاركهم حفلات ترفيهية مختلطة"، ويضيف: "في إحدى الحفلات عرضوا علي صراحة ترك الدين الإسلامي واعتناق المسيحية وأغروني بالأموال والسفريات والنساء". ويؤكد (م ع) أن صعوبة وضعه المادي في تلك الأيام وحاجته الشديدة للتأهيل العملي والمهني ، دعته للتفكير قليلا في هذا العرض "المغري" إلا أنه في اللحظة الأخيرة رفض عرضهم وقطع صلته كليا معهم. كما رفض (مع) السماح لي بمقابلة أصدقائه القدامى، قائلا أنه لا يعرف عنهم شيء وأن السنوات الأربع الماضية كفيلة بتغيير أماكنهم وعناوينهم.المرتد في الشريعة الإسلامية .. جدل واسع وآراء مختلفة ...
مدير عام الإرشاد في وزارة الأوقاف والإرشاد الشيخ حمود السعيدي قال لمارب برس ,,, إن حكم الردة في الإسلام هو القتل مستدلا بالحديث النبوي " من بدل دينه فاقتلوه" ، منوها في الوقت نفسه بأن الردة إذا كانت خوفا من القتل فلا حكم على المرتد "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان". وأضاف الشيخ السعيدي: "أما من ارتد بسبب مال أو زوجه أو منصب أو دراسة فحكمه القتل بعد أن يسأل ويستتاب"، مؤكدا ضرورة سؤال المرتد عن سبب ارتداده " لأنه قد يرتد جهلا بتعاليم الإسلام".
وحول اختلاف العلماء حول حكم الردة، قال مدير عام الإرشاد :" أجمع علماء الإسلام على حكم الردة ولم يخرج عن هذا الإجماع إلا القليل منهم الدكتور حسن الترابي الذي نفى مؤخرا حكم الردة". ويثير حكم الردة حاليا خلافا بين الفقهاء والمفكرين الإسلاميين ، حيث يعتبر البعض مسألة قتل المرتد أمرا غير مقبول لأن فقهاء الإسلام لم يجمعوا عليها كما أنه يتعارض مع المبادئ والقيم التي أقرها القانون الدولي ووافقت عليه معظم الدول العربية والإسلامية، على حد قولهم.
ففيما قال الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بوجوب تطبيق حكم الردة وقتل المرتد، منوها بأن السماح للأفراد باعتناق الإسلام ثم الارتداد عن الإيمان به مفسدة للمجتمع الإسلامي، اعتبر الدكتور محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن عقوبة الردة "تكون تعزيرا لا حدا"، مضيفا أن الآيات القرآنية "لا تشير من قريب أو من بعيد إلى أن ثمة عقوبة دنيوية يأمر بها القرآن لتوقّع على المرتد عن الإسلام، وإنما يتواتر في تلك الآيات التهديد المستمر بعذاب شديد في الآخرة".
وكان مفتي مصر الشيخ علي جمعة أثار جدلا فقهيا واسعا بين علماء المسلمين أواخر الشهر الماضي عندما أفتى بحرية المسلم في ترك دينه والانتقال إلى دين آخر .
وقال مفتي مصر في مقال نشر على موقع المنتدى المشترك لصحيفة واشنطن بوست ومجلة نيوزويك على شبكة الانترنت يوم 24 يوليو الماضي "إن تخلي الشخص عن دينه إثم يعاقب عليه الله يوم القيامة، وإذا كان الأمر يتعلق بشخص يرفض الإيمان فحسب فانه ليس هناك عقاب دنيوي".
وفيما نفت دار الإفتاء المصرية إن يكون الشيخ جمعة أفتى بحرية المسلم في تغيير دينه، جدد مفتي مصر في 27 يوليو الماضي "التأكيد على حق كل إنسان في اختيار دينه"، معتبرا "أن العقوبة الدنيوية للرِّدة لم تُطبق على مدار التاريخ الإسلامي إلا على هؤلاء المرتدين، الذين لم يكتفوا بردَّتهم، وإنما سعوا إلى تخريب أسس المجتمع وتدميرها"
وقال جمعة في بيان نقلته وسائل الإعلام :" إن الله قد كفل للبشرية جمعاء حق اختيار دينهم دونَ إكراه أو ضغط خارجي، والاختيار يعني الحرية والحرية تشمل الحق في ارتكاب الأخطاء والذنوب طالما أن ضررها لا يمتد إلى الآخرين".
.... وعقوبة واحدة في القانون اليمني:
المدير التنفيذي لمنظمة هود المحامي خالد الآنسي كشف أن عقوبة المرتد في القانون اليمني هي الإعدام "وبالتالي فإن التبشير بالمسيحية يعد تحريضا على الردة ، وعليه فإن عقوبة المبشر هي نفس عقوبة المرتد".
وحول موقف منظمة هود الحقوقية من إدعاء بعض الشباب المسيحي في اليمن تعرضهم لمضايقات من قبل الأجهزة الأمنية وخوفهم المستمر من تطبيق حكم الردة عليهم ، قال المحامي الآنسي :" منظمة هود لم تتعامل من قبل مع هذا النوع من القضايا، ومن السابق لأوانه الحديث عن هذا الموضوع ".
أما في القانون المصري فإنه لا يوجد أي نص يتحدث عن الردة أو يجرمها. وحسب وكالة الصحافة الفرنسية إن نائب رئيس محكمة النقض المصرية المستشار احمد مكي قال "ليس هناك نص في القانون المصري يجرم الردة أو يشير إليها"، مضيفا أن "حد الردة ذاته مختلف عليه بين الفقهاء". ويقول مكي: "يذهب عدد من الفقهاء إلى انه ليس هناك حد اسمه حد الردة لأنه لم يرد نص بهذا الخصوص في القران ويفسرون الحديث النبوي الذي يشير إلى قتل المرتد بان المقصود منه هو عقاب سياسي على الخيانة وليس عقابا على المعتقد".
وكان تقرير الخارجية الأمريكية الخاص بممارسات حقوق الإنسان في اليمن الصادر عن مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في وزارة الخارجية الأمريكية ( فبراير 2001 ) قد أعاد التذكير بحادثة مقتل ثلاث راهبات من جماعة (الأخوات في أعمال الخير) بالحديدة يوليو 1998 وأيضاً تعرض مستشفى جبلة إلى تهديدات ومضايقات من قبل من تم وصفهم بالمتطرفين في المنطقة من الذي يخشون استخدام المستشفى لنشر المسيحية، كما أشار التقرير إلى إقامة علاقات ديبلوماسية بين اليمن والفاتيكان عام 1998 وموافقة الحكومة اليمنية إثر ذلك على إنشاء وتشغيل ( مركز مسيحي ) في صنعاء.
في عام1992 قام يمنيان في منطقة جبلة التابعة لمحافظة (إب) جنوبي العاصمة صنعاء - بتمزيق القرآن الكريم ورميه في حمامات مسجد الأشرفية ، في جريمة هزت المجتمع اليمني، وبعد التحقيق معهما اعترفا أمام المحاكم بأنهما ارتدا عن الإسلام ، ودخلا في الديانة النصرانية من خلال شخص ثالث ، وعند استدعاء الأخير أقر باعتناق المسيحيه نتيجة قراءته واطلاعه على الكتاب المقدس (الإنجيل). وأشار أحد الثلاثة إلى أن المحور الرئيسى لحركة التنصير أحد الأطباء العاملين في مستشفى جبلة المعمداني (من جنسية أجنبية) وتحدثوا عن وعود بتلقي مبالغ مالية ، مقابل ما يقومون به من جهد تنصيري داخل المديرية.
وفي العام الماضي تنصر مسلم صومالي يقيم في عدن كلاجئ بسبب الحرب الأهلية في بلاده على يد قسٍٍ أجنبي يعمل في إحدى كنائس المدينة وطلب تغيير اسمه إلى اسم آخر أمام الجهات اليمنية المهتمة بشؤون الهجرة والجوازات والإقامات، فقامت بتوقيفه وتمت محاكمته، ولكن قبل النطق بالحكم تم تسفيره إلى دولة أوروبية ؛ بحجة حصوله على حق اللجوء الإنساني فيها من خلال متابعة القس، وطوي ملف القضية، وثم موضوع مشابه ، وهو اعتناق صومالي آخر النصرانية مؤخراً ولا يزال يتفاعل حتى الآن.
وفي منتصف شهر إبريل الماضي ألقت شرطة الأمن المركزي القبض على رجل بريطاني كان متنكراً بزي امرأة صنعانية اسمه (ارن هاورد) 32عاماً - وكشفت التحقيقات معه أنه أقام بصفة غير شرعية لمدة خمسة أشهر قبل أن ينكشف أمره، وأدين من قبل محكمة سنحان الابتدائية في العاصمة صنعاء بثلاث تهم أبرزها ممارسة النشاط التنصيري داخل البلاد وارتكاب أفعال فاضحة.
البداية قبل نصف قرن
محاكمة (هاورد)لن تكون الأخيرة في مسلسل الأنشطة التنصيرية التي تجري على نطاق واسع منذ نصف قرن . مبعوث بابويّ يبحث المشاكل والصعوبات بالمواقع التابعة للكنائس بعدن
وناقش أحمد أحمد الضلاعي، الوكيل المساعد بمحافظة عدن والمطران بول هيندر، نائب رسولي عام في الخليج وشبه الجزيرة العربية, في 2006" أوضاع الكنائس الموجودة بالمحافظة والمشاكل والصعوبات المتعلقة بالمواقع والأراضي التابعة للكنائس ".
وطالب المطران هيندر، السماح بإقامة المشاريع الإنمائية بالكنائس كإنشاء معاهد تقنية ومهنية خاصة بالمهارات الحياتية وإنشاء عيادة خاصة للنساء والولادة وذلك لخدمة الفقراء. وهو ماطالبت به الحكومة اليمنية في أوقات سابقة حسب تقرير الحرية الدينية الذي تصدره الخارجية الأميركية. وحسب صحيفة الأيام فقد حضر اللقاء الأب ماثيوز أوزنناليل، راعي كنائس عدن بالكنيسة الرومانية الكاثوليكية وعبدلله إبراهيم، مدير عام الموارد المالية بالمحافظة.
وتشير تقارير الحرية الدينية التي تصدر الخارجية الأميركية سنويا إلى أنه في أعقاب توحيد الشمال والجنوب عام 1990، دُعي أصحاب الممتلكات التي كانت حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الشيوعية السابقة قد صادرتها إلى تقديم طلب لتعويضهم عن ممتلكاتهم المصادرة، إلا أن تطبيق العملية، بما في ذلك تطبيقها على المؤسسات الدينية، كان محدوداً للغاية، ولم تُرد الممتلكات المصادرة إلا إلى عدد ضئيل جداً من أصحابها السابقين.
ولا تسمح الحكومة اليمنية بتشييد أماكن عبادة عامة جديدة غير إسلامية بدون إذن؛ وتقام القداديس الأسبوعية للمسيحيين الكاثوليك والبروتستانت والإثيوبيين في قاعة مبنى شركة خاصة في صنعاء دون تدخل حكومي. وتقام القداديس المسيحية بشكل منتظم في مدن أخرى في منازل أو منشآت خاصة كالمدارس دون مضايقات، وتبدو هذه المرافق وافية بالغرض لاستيعاب الأعداد القليلة التي تشارك في هذا النشاط. وكان وزير الخارجية د.أبوبكر القربي قد تسلم في 21/11/2005 نسخة من أوراق اعتماد منجد الهاشم كسفير غير مقيم للفاتيكان في اليمن.
وبدأت العلاقات اليمنية مع الفاتيكان في العام 2002م عبر اعتماد سفير الفاتيكان لدى الكويت سفيرا غير مقيم في اليمن، وزار الرئيس علي عبدالله صالح الفاتيكان عام 2000، وفي العام 1999 تم اعتماد سفير اليمن لدى إيطاليا سفيراً لدى الفاتيكان.
وكان بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر عين في منتصف أغسطس الماضي راعي أبرشية بعلبك دير الأحمر المطران بولس منجد الهاشم سفيرا بابويا في منطقة الجزيرة العربية والعراقووفق الأمر البابوي فإن الهاشم سيكون مسئولا عن مصالح الكنيسة الكاثوليكية في الكويت وقطر والبحرين واليمن، ومقره الرئيس الكويت
وفي 25 مارس 2004م زار وفد الأخوة الكاثوليي من دولة الفاتيكان اليمن برئاسة الأمير كارلو دي بوربون قلد الرئيس علي عبدالله صالح وسام "الفارس الاعظم" لفرنسيس الاول من الدرجة الاولى وهو أعلى وسام للمقام البابوي تكريماً وتقديراً لدوره في تحقيق الوحدة اليمنية وخدمة السلام على المستويين الاقليمي والعالمي ونشر قيم التسامح والتعايش والحوار بين الأديان.
ومن جانبه قلد الرئيس اليمني الأمير كارلو دي بوربون وسام الوحدة 22 مايو من الدرجة الأولى تقديراً للعلاقات بين الجمهورية اليمنية ودولة الفاتيكان وتقديراً للمهام الانسانية الجليلة التي قدمها الأمير كارلودي بوربون في خدمة السلام الانساني والتعايش والحوار بين الاديان- كما قالت الأخبار الرسمية حينها.
وخلال الثلاث السنوات الأخيرة تصاعدت نبرات التقرير الأميركي السنوي عن الحريات الدينية لصالح اليمن، والذي أشاد بثقافة التعايش بين الديانات والمذاهب في المجتمع اليمني.
واتفقت تقارير الأعوام الأخيرة حول اليمن على أنها بلد (يوفر الدستور –فيها- الحرية الدينية، وتحترم الحكومة بشكل عام هذا الحق عمليا؛ غير أنه كانت هناك بعض القيود).
وأن الدولة مستمرة (في المساهمة بشكل عام في حرية ممارسة الدين) وأنه (يتمتع أتباع الأديان الأخرى غير الإسلام بحرية العبادة حسب معتقداتهم؛ غير أن الحكومة تحظر التحول عن الإسلام واعتناق ديانات أخرى وتحظر التبشير على غير المسلمين). وقالت أن العلاقة الودية بين الأديان ساهمت في (الحرية الدينية).
وقال أن المبشرين المسيحيين يمارسون نشاطهم في البلاد، ويكرس معظمهم نفسه لتوفير الخدمات الطبية، في حين يعمل آخرون في حقلي التعليم والخدمات الاجتماعية.
وتدير "راهبات المحبة "، بدعوة من الحكومة، دُوراً للمعوزين والأشخاص المعاقين في كل من صنعاء وتعز والحديدة وعدن. وتصدر الحكومة تأشيرات إقامة لرجال الدين المسيحيين كي يلبوا احتياجات الجالية الدينية. وهناك أيضاً إرسالية خيرية مسيحية ألمانية في الحديدة وبعثة طبية مسيحية هولندية في صعده. وتحافظ جماعة من أتباع الكنيسة المعمدانية الأميركية على ارتباط مع المستشفى في جبله، وهو المستشفى الذي كانت قد أدارته لأكثر من ثلاثين عاماً قبل انتقال إدارته إلى الحكومة في عام 2002. وتدير الكنيسة الأنجليكانية مستوصفاً خيرياً في عدن. وتنشط منظمة أميركية غير حكومية، يديرها الأدفنتست (السبتيون) في عدد من المحافظات.
حيث أكد أن العلاقات بين المجموعات الدينية تتصف عموماً بالود.وقال أنه رجال الدين المسلمين لا يحرضون على أعمال العنف لدوافع دينية ولا يبيحونها، وذلك باستثناء أقلية صغيرة منهم غالباً ما يرتبطون بصلات مع عناصر متطرفة أجنبية.
وزعماء القبائل –حسب التقرير الأميركي- في المناطق التي يسكنها اليهود، مسئولون تقليدياً عن حماية اليهود في مناطقهم. ويعتبر الإخفاق في توفير هذه الحماية عاراً شخصياً كبيرا.
وتناقش السفارة الأميركية بصنعاء قضايا الحرية الدينية مع الحكومة ضمن سياستها الشاملة لتعزيز حقوق الإنسان. وتجري السفارة الأميركية حواراً نشطاً حول قضايا حقوق الإنسان مع الحكومة ومع المنظمات غير الحكومية وأطراف أخرى. ويجتمع المسئولون في السفارة، بمن فيهم السفير، بشكل منتظم مع ممثلين عن الجاليتين اليهودية والمسيحية.واصدرت الولايات المتحدة الأميركية تقرير الحريات الدينية للعام 2006م والذي يتناول الحريات الدينية في العالم ومنها اليمن. ويتحدث التقرير عن وجود نحو 3000 آلاف مسيحي في اليمن معظمهم من اللاجئين ومواطني الدول الأجنبية ، إضافة إلى 40 هندوسيا من أصل هندي وأربع كنائس مسيحية في مدينة عدن ، كما يتحدث عن معابد الطائفة اليهودية في شمال اليمن ، ويقصد بذلك مدينتي صعدة وريدة اللتين تحتضنان العدد الأكبر من اليهود الذين بقوا في اليمن.
ويتطرق التقرير إلى " العلاقات الودية " بين أبناء الطوائف الإسلامية ، الزيدية ( الشيعية ) والشافعية ( السنية ) وعن حرية العبادة لغير المسلمين وعن الطوائف الإسلامية الأخرى مثل الإسماعيلين. ويقول إن الزيدية يمثلون 30% من السكان ، فيما يمثل الشوافع 70% .
ويشير بشكل ايجابي إلى دور الحكومة اليمنية وجهودها " للتخفيف من حدّة التوتر الديني بينها وبين أعضاء من الطائفة الشيعة الزيديين " ، ويقصد بذلك جماعة الحوثي وبالتحديد تنظيم " الشباب المؤمن " ويقول التقرير إن دوافع تحرك الحكومة ضد الحوثيين سياسية وليست دينية ويضيف: هذه " فئة من الشيعة تختلف عن طائفة الشيعة الزيدية السائدة. تتبع حركة "الشباب المؤمن" تعاليم رجل الدين المتمرد حسين بدر الدين الحوثي الذي قُتل خلال التمرد الذي استمر عشرة أسابيع والذي قاده في شهر يونيو عام 2004م ضد الحكومة في محافظة صعده. وكانت دوافع الأفعال التي اتخذتها الحكومة ضدّ حركة "الشباب المؤمن" في العام 2005م سياسية وليست دينيةً.
ويشيد التقرير باتاحة للمارسة العبادة لغير المسلمين وارتداء ملابسهم ولكنه يضيف بهذا الخصوص : " إلا أن الشريعة تحظر على المسلمين اعتناق أي دين آخر كما تحظر على غير المسلمين الدعوة لاعتناق دينٍ غير الإسلام . اعتمدت الحكومة هذا الحظر كما تشترط الحصول على إذن مسبق لإقامة أماكن عبادة جديدة، وتمنع غير المسلمين من تولي المناصب التي يتم شغلها عن طريق الانتخاب. تعد أعياد الأضحى والفطر أعياد رسمية عند المسلمين في اليمن، حيث لا تتأثّر الجماعات الدينية الأخرى سلباً بهذه الأعياد ".
ويقول التقرير حسب ماجاء في موقع التغيير نت " إن الحكومة اليمنية لا تحتفظ بسجلات خاصة لهوية اتباع الديانات الأخرى " كما لا يوجد هناك قانون يفرض على الجماعات الدينية تقيد أسمائها لدى الدولة. بعد أن حاول الحزب الحاكم ترشيح يهودي في الانتخابات النيابية، اعتمدت اللجنة العليا لانتخابات سياسةً تحظر على غير المسلمين الترشّيح لمنصب نائب في البرلمان. وتنص المادة 106 من الفصل 2 من الدستور على أنّه يجب على رئيس الجمهورية "ممارسة واجباته الإسلامية".
ويتحدث التقرير عن ممارسة الحكومة اليمنية اثناء عملها على " جماح العنف السياسي المتزايد الى تقييد الممارسات الدينية. ففي شهر يناير 2006، وللعام الثاني على التوالي، حظرت الحكومة الاحتفال بمناسبة "يوم الغدير" (وهو عيد يحتفل به المسلمون الشيعة) في أجزاء من محافظة صعده. فخلال فترة اعداد هذا التقرير، أفادت تقارير بأن الحكومة كثفت جهودها لمنع انتشار "الحوثية" عبر تحديد الساعات التي يحق فيها للمساجد أن تفتح أبوابها للناس واقفال المعاهد التي اعتبرتها الحكومة معاهد دينية زيدية متطرّفة أو تابعةً للطائفة الشيعية الإثنى عشرية وكذلك عزل الأئمّة الذين تبنوا اعتناق العقيدة الأصولية وكذلك تشديد المراقبة على خطب المساجد ".
ويشيد التقرير أيضا ـ ضمنيا ـ بأداء اليمن في مجال عدم تسيس المساجد والمدارس في إطار محاربته للتطرف وتعزيز التسامح و" تركّزت هذه الجهود على مراقبة المساجد لرصد الخطب التي تحرض على العنف و غيرها من البيانات السياسية التي تعتبرها الحكومة خطراً على الأمن العام. ويجوز للمنظمات الإسلامية الخاصة المحافظة على علاقاتها مع منظمات إسلامية دوليّة، غير أنّ الحكومة راقبت نشاطاتها عن طريق الشرطة والهيئات الاستخباراتيّة ".
ويكشف التقرير ان مسئولين أمنيين اعتقلوا مؤخرا وبصورة عشوائية بعض المسيحيين بتهمة التبشير ومسلمين أيضا على علاقة بالمبشيرين وانه جرى تعذيبهم داخل السجون.
وانتقدت الخارجية الامريكية التمييز الديني في اليمن، طبقا لتقرير الحرية الدينية حول العالم لسنة 2007م الذي جاء في 800 صفحة ويصدره مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال بوزارة الخارجية الأمريكية، والذي اشاد في ورشة اقامتها وزارة الاوقاف بالتسامح الديني السائد في الجمهورية اليمنية ونيذ التطرف ودور الحكومة اليمنية في مجال ترسيخ الحرية الدينية والحد من ظاهرة الاضطهاد الديني.
واشار التقرير الى العفو الذي اصدره الرئيس في حق الديلمي ومفتاح الذين تم سجنهما بتهمة التخابر مع ايران واطلاق بعض المتحفظ عليهم في قضية الحوثيين وعدم اطلاق البقية، وكذا عدم اعلان الرقم الحقيقي للمعتقلين في قضية الحوثي.
وانتقد التقرير مصادرة وزارة الثقافة وبعض الاجهزة الامنية لكتب تناصر الزيدية, كما اشار الى منع السلطات اليمنية للاحتفال بيوم الغدير و أشار الى تمييز و قمع حصل للمذهب الزيدي لاسباب سياسية اكثرمن ان تكون دينية.
واليوم وجه نحو مائة من علماء اليمن، نداءً لرئيس الجمهورية وأعضاء الحكومة ومجلسي النواب والشورى، وكافة مسؤولي الدولة، طالبوا بتحمل مسؤولياتهم الدينية والأخلاقية، إزاء مظاهر الانحراف والمنكرات التي تفشت في البلاد، والدخيلة على قيم المجتمع اليمني الأصيل..
وجاء في البيان، الذي حصلت "الغد" على نسخة منه، أن أبناء اليمن فوجئوا في الفترة الأخيرة بعديد منكرات ومعاصي ظاهرة وافدة على بلادنا، ومنها تزايد نشاط بعض الجهات الأجنبية (التنصيرية) من منظمات ومعاهد لغات، ومدارس خاصة، لمحاولة إخراج الشباب اليمني المسلم عن دينه، وكذا الدعوة إلى تغيير القوانين المستمدة من الشريعة الإسلامية لقوانين غربية وافدة، بدعم أجنبي، كالجندر وغيره، بدعوى مواءمة التشريعات اليمنية مع الاتفاقيات الدولية..
وحذر البيان الذي أصدره العلماء بمناسبة شهر رمضان من تطاول بعض الصحف على الذات الإلهية، والسخرية من الشعائر الإسلامية، واستقدام الراقصات والمغنيات الأجنبيات لإحياء الليالي الراقصة، وتحطيم القيم والأخلاق في العاصمة صنعاء وبعض المدن اليمنية، وإقامة فعاليات عروض الأزياء، ومن ذلك حسب ما جاء في البيان نقلاً عن جريدة "الثورة" الرسمية وبعض القنوات العربية، قيام أكثر من 15 فتاة يمنية بعرض أزياء بملابس الزفاف في حديقة السبعين بصنعاء بحضور عدد من الأجانب، ضمن مهرجان صيف صنعاء السياحي2007 لأربع مرات، كما نقل البيان عن صحف ووسائل إعلام رسمية وغير رسمية العديد من الفعاليات والأعمال التي وصفه البيان بـ"المنكرة والمحرمة" كالرياضة النسوية، وتشجيع الرقص المختلط بين الرجال والنساء كما حدث في مهرجان الدان بحضرموت، وفتح المراقص والملاهي الليلية ومراكز التدليك، التي تعمل فيها النساء لتدليك الرجال، وإرسال فتيات يمنيات إلى الخارج يعرضن أزياء ليلة الزفاف، والمشاركة في الأعمال المسرحية والغناء والتمثيل في الخليج والقاهرة وبيروت..
وسرد بيان العلماء العديد من المظاهر والأعمال التي اعتبرها منكرات ومعاصي، توجب الغضب الإلهي، خصوصاً بعد أن أصبحت ظاهرة ومنتشرة، مؤكداً بأن وحدة البلاد والعباد متوقفة على تطبيق الشريعة الإسلامية وحماية صرح الدين والأخلاق، سيما ونحن في بلد "مرجعيته الكتاب والسنة، وتسوده العفة والطهارة والأخلاق الحسنة" مطالباً كذلك أبناء الشعب اليمني والمنظمات والأحزاب السياسية بالقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة..علماء اليمن يطالبون الحكومة والأحزاب بمنع المنكرات الوافدة ومظاهر الانحراف. وتطرق التقرير ايضا الى قيام السلطات اليمنية بسجن العائدين من افانستان واطلاقهم بسرعة عاجلة وعدم اطلاق البعض الذين مكثو لمدة طويلة في السجن.
وتطرق الى تمييز ديني على المذهب الاسماعيلي من قبل المجتمع, كما تطرق الى اعمال قام بها السلفيون ضد الصوفية المعتدلة. من ناحية ثانية أشار الى الانفتاح في حزب المؤتمر وعدم اشتراطه الديني للمنتسبين في حين يشترط حزب الاصلاح على العضو ان يكون مسلما.
كما أورد التقرير إشارة الى التمييز ضد المسيحيين وعدم السماح لهم ببناء كنيسة في صنعاء، وبخصوص الديانة اليهودية أشار الى طرد الحوثيين لليهود من مساكنهم وتهديدهم لهم، وانتقد قيام الاجهزة الامنية بمراقبة ومتابعة بريد الجماعات التبشيرية في اليمن
كلمه اخير
اعتمدت في ذلك الي مصادر متعددة في تقديم ذلك البحت علي دراسات للدكتور يوسف محمد عبدالله والدكتورة سلوي صالح وصحف واحاديت وتقارير عن السفارة الامريكيه عن الحريات في اليمن للاعوام 2006 وتقارير صحيفيه في نيوز يمن والتغيير نت ومقابلات ولقاءات اجرها عدد من الزملاء الصحفيين مع عددمن الجماعات التبشيريه ومن الذين انتقلو من الاسلام الي المسيحيه في موقع مارب برس
http://marebpress.net/narticle.php?sid=7367 والهدف من ذلك تقديم مادة للقاري والباحت للاستفادة منها اتنا دراسة المسيحيه والجماعات التبشيرية في اليمن كل ذلك المعلومات نشرت في مواقع عديدة علي شيكه الانترنت العالميه وبذلك اكون قد حققت هدفي الي اعطاء نبدة ربما محتصرة عن المسيحية والجماعات التبشيرية في اليمن باسلوب علمي واكاديمي وبنوع من الشفافيه والواقعيه وما نشرت انا هو اصلا موجود في الواقع العملي في اليمن بعيد عن الاثارة والتشهير بهذة الجماعات او باطراف اخري



منقول