الأحد، 5 أبريل 2009

علم الجمال ـ فلسفة

في هذه السلسلة المتتابعة من المقالات سيتم تناول العديد من المفاهيم الفكرية لغرض القاء الضوء عليها من مختلف الزوايا ووجهات النظر ، نهدف من ذلك فائدة الباحث والطالب والقارئ الشغوف بالمعرفة، عسى ان نوفق في هذا المنحى بقدر المستطاع .
المفهوم الاول- علم الجمال
الاستطيقا, علم الجمال (aesthetics): كان هذا العلم أحد فروع الفلسفة وبحث في فلسفة الجمال متمثلاً في الفن, و القيم الفنية التي تحكم التعبير الفني و تثير في الأفراد الإحساس بالجمال. وانقسم الفلاسفة فيه الى اتجاهين: أحدهما يجعل الجمال موضوعياً كائناً في الشيء الجميل نفسه, و الآخر يجعله مرهوناً بالإدراك الذاتي عند الشخص المدرك.
اتجاهات علم الجمال :
إن تعدد الآراء والمذاهب الفلسفية أوجب تصنيف هذه الرؤى الجمالية، لأن البعض لاحظوا استحالة وجود قاعدة عامة تحدد بواسطتها المقاييس لما هو جميل وإن من العبث إيجاد مبدأ ذوقي يعطينا مقياساً عاماً للجمال لأن ما نحاول إيجاده مستحيل ومتناقض لذاته والبعض الآخر حدد بعض المقاييس للجمال.
فلاحظ هيوم أن الجمال في انتظام الأجزاء وتفاعلها على نحو يجعل الجميل يبعث الروح والسرور في نفس المتلقي وإن اللذة والألم لا يصحبان بصورة لازمة الجمال والقبح وحسب بل إنهما يؤلفان ذات الجمال والقبح.
لذلك فإن موضوع الجمال وطبيعته آثار خلاف المفكرين الذين انقسموا إلى أتجاهين:
1 ـ الاتجاه الذاتي: وسموا بأنصار المذهب الذاتي لعلم الجمال.
2 ـ الاتجاه الموضوعي: وسموا بأنصار المذهب الموضوعي لعلم الجمال.
1 ـ الاتجاه الذاتي: كان من أبرز رواده كانط الذي اعتبر أن الحكم على الجمال حكم ذاتي ويتغير من شخص لآخر معتبراً مصدر الشعور بالجمال هو فينا، في مزاج الروح وليس في الطبيعة وإن جمال الشيء لا علاقة له بطبيعة الشيء وإن المحاكمة الجمالية تنبع من الاندماج الحر للفكر وقوة الخيال. وبفضل هارمونية قدرات المعرفة ننسب الموضوع إلى الذات وفيها يكمن أساس الشعور بالرضى الذي نحسه من الأشياء التي هي سبب إعجابنا. فأنصار هذا المذهب ينكرون الجمال المستقل للأشياء وللطبيعة ويعتقدون أن الجمال الوحيد ( لا يوجد إلا فينا وبنا ومن أجلنا ) ويرجعون جمال الأشياء إلى الطريقة التي نتصورها في فكرنا ، فالجمال ليس سوى ظاهرة نفسية ذاتية وإن الشيء يكون جميلاً عندما نراه بعين احترفت الرؤية.
ومن علماء هذا الاتجاه :
ـ هيغل ( إن الجمال فى الطبيعة لا يظهر إلا كانعكاس للجمال الذهني ) .ـ فيكتور باش ( إننا حين نتأمل الأشياء نطفي عليها روحاً من صميم حياتنا وإننا لا نستجمل العالم وكائناته إلا بمقدار ما في نفسنا من جمال).

الاتجاه الموضوعي:
أنصار هذا المذهب قاموا بنقض جميع آراء الذاتيين لأنها لا تتعلق مع ا لمبادئ الأفلاطونية للجمال حسب وجهة نظرهم فالذاتيين أهملوا وجود العنصر أو العامل الموضوعي الذي هو موجود في جميع الأشياء الجميلة ومشترك بينها ويظل موجوداً ومشتركاً سواء كان هناك من يقدر هذه الأشياء أو لم يكن يقدر. حيث يعتبر أنصار هذا المذهب أن الجمال مستقل قائم بحد ذاته وموجود خارج النفس وهي ظاهرة موضوعية مما يؤكد تحرر مفهوم الجمال من التأثر بالمزاج الشخصي وأن للأشياء الجميلة خصوصيات مستقلة كلياً عن العقل الذي يدركها، فالجميل جميل سواء توفر من يتذوق هذا الجمال أو لم يوجد.
ومن علماء هذا الاتجاه :
ـ ديموقراط ( للجمال أساساً موضوعياً في العالم ) .
ـ غوته ( للإبداع الفني قوانين موضوعية ).
يلاحظ إن هذا التنوع وكثرة الآراء الجمالية تعطي لعلم الجمال القوة الجدلية للاستمرار وتعطيها القوة للتغلغل في صلب نسيجنا الاجتماعي ، فعلم الجمال يقوم بتحضير إنسان المستقبل ، وإن علم الجمال هو الذي يؤكد وسيؤكد انتصار الإنسان بآثاره الفنية الخالدة على الفناء والعدم والقبح. والواقع إن تفسير الفن ظل بوجه التقريب يمثل إلى الآن في ربطه بسائر الوظائف الحيادية جمالياً إما لدى الفرد وإما لدى المجتمع فالفن شكل من أشكال نشاط الإنسان في سبيل المعرفة ، معطياً إياه القدرة على التغيير.
أن لكل إنسان رؤية وردود فعل حول الجمال كمفهوم، والجمال كانطباع تجاه أشياء مادية وروحية مختلفة يتذوق جمالها عقلياً، تترك في نفسه إحساساً بالبهجة والارتباك والنشوى والدهشة. فهو المقياس، الذي يحدد جمال المادة، التي تترك لدى المتلقي، الانطباع والإحساس بالبهجة، سواء كان عن طريق التأمل العقلي أو السمع أو النظر أو التذوق.ولكي يكون لدى كل إنسان إحساساً جمالياً راقياً، يتطلّب تربية للذوق الفني والجمالي لدى الإنسان
أما في تعريف علم الجمال معجميا، نجد أن تعريف قاموس "ويبستر" لعلم الجمال هو أكثر دقة من بعض التعاريف الأخرى، وهو " المجال الذي يتعامل مع وصف الظواهر الفنية والخبرة الجمالية وتفسيرها". لكن المفهوم المفضل عن مصطلح علم الجمال هو ذلك المفهوم المستنبط من نظرية الفيلسوف "بيردسلي" والذي يرى أن علم جمال هو علم بيني تقوم من خلاله فروع معرفية عدة- كل بطريقته ومناهجه ومفاهيمه الخاصة - بدراسة تلك المنطقة المشتركة المتعلقة بالخبرة أو الاستجابة الجمالية، بكل ما تشتمل عليه هذه الخبرة أو الاستجابة من جوانب حسية وادراكية وانفعالية ومعرفية واجتماعية.لابد قبل الخوض في ماهية علم الجمال والجمال والفن، أن نعرج على الإنسان الذي يعتبر المركز الأوحد للإحساس بالجمال والمدرك الوحيد له. كان الناس منذ بدء الخليقة يرهقون التفكير على الدوام بمعضلة ماذا يعني أن يكون الكائن الحي إنساناً وفيما يتمثل مغزى وجوده على الأرض. إن الإنسان كما عرفه الإغريق أنه أعجب العجائب وهو مركز الكون مما دفع علماء الاجتماع للوصول إلى صيغة جامعة تعرف الإنسان وتميزه عن باقي الكائنات الحية. وحددت علاقات ثلاث في تعريف الإنسان وإن الكائن البشري إذا فقد إحدى هذه العلاقات يخرج عن كونه إنساناً ذو قيمة ولا يمكن أن يخطو خطوات جادة في تعظيم الإرث البشري الثقافي والاجتماعي والاقتصادي وحتى الجمالي وهذه العلاقات هي :
العلاقة المعرفية أي ( المنطق ـ الحق ).العلاقة الأخلاقية أي ( الخير ) .والعلاقة الجمالية ( الجمال).
يتسم الإنسان للوهلة الأولى بنفس الاحتياجات التي تلازم أي كائن حي آخر، فهو ملزم بأن يأكل ويشرب ويحمي نفسه من البرد والحر ومن هجمات الأعداء وأن يحافظ على نسله، غير إنه يلبي هذه الاحتياجات بطريقة تختلف عن سلوك الحيوان. أما الحيوان فمهما قام من أفعال معقدة تشبه للوهلة الأولى أفعال الإنسان يبقى على الدوام خاضعاً لتأثير احتياجاته البيولوجية المباشرة. فالشيء الذي لا يمس أسس نشاط الحيوان ا لحياتية يبقى وكأنه غير موجود بالنسبة له. فإن الكائنات الحية غير الإنسان ليس من سجاياها معرفة العالم بحد ذاته أي ( العلاقة المعرفية ) والتمتع بجمال العالم وشموخ الجبال وبصفاء السماء وخضرة الغابات ونقاء الأنهار ، لا يشكل أي شيء ذو قيمة بالنسبة للحيوان لهذا فهو لا يكترث بالعلاقة الجمالية. وليس من سجايا الحيوان أيضاً القدرة على أن يضع نفسه في محل سواه أي أن يضحي بنفسه وينكر ذاته من أجل باقي الحيوانات من بني جنسه لهذا فهو يفتقر للعلاقة الأخلاقية التي تتمثل في الخير.
يقول نيتشه ( إن النمر يعرف جيداً كيف يجب أن يكون نمراً ، والعنكبوت يحيا مثلما تحيا العناكب والسنونو تطبعت بالطباع التي تليق بالسنونو، سوى الإنسان وحده ملزم بأن يتعلم كيف يجب أن يكون إنساناً ) ويلاحظ أن السعي إلى الحقيقة المطلقة والحاجة إلى الجمال والتعطش إلى الخير من أبرز وأهم مواصفات الإنسان الجاري تناوله من جانب حياته الروحية والمادية. ولكننا إذا اقتصرنا على تعريف جوهر الإنسان باعتباره متحلياً بالحقيقة المطلقة والخير والجمال، فسوف نصطدم بقدر جم من التناقضات لأن فهم هذا الثالوث ، يختلف باختلاف المجتمعات والعصور التاريخية.إن جوهر الإنسان ليس مجرداً يتسم به فرد بعينه إنما هو في واقعه مجموع العلاقات الاجتماعية كافية . بهذا التعريف المقتضب للإنسان الذي أرهق الكثير من العلماء الاجتماع والنفس وكان حصيلة تطور الفكر البشري ونتيجة دراسات معمقة ومختصة في مجال دراسة الإنسان والمجتمع
نأتي الآن إلى الجمال وعلمه. هل للجمال علم وما هو موضوعه وما هي بحوثه وكيف ينصف بين العلوم وهل هو حديث الولادة أم أن له أساس تمتد جذوره في أعماق الفكر البشري وما هي فوائد علم الجمال و...الخ. هذه الأسئلة وسواها تغزوا عقل كل من يرهق تفكيره في هذا العلم وغيره من العلوم.
يعرف علم الجمال (AESTHIK) بالألمانية و ( ESTHETIQUE ) بالفرنسيةو ( AESTHETICS ) بالإنكليزية و ( ESTETICA ) بالإيطالية و ..الخ.
انه علم الأحكام التقويمية التي تميز بين( الجميل والقبيح ) ( معجم لالاند ) وهذا هو التعريف الكلاسيكي للفظ الاستيطقا . وإن لفظ الأستيطقا (علم الجمال) يعود في أصله إلى اليونانية فهو مشتق من ( AISTHESIS ) التي تعني ( الإحساس ) ويفيد معناها الاشتقاقي ( نظرية الإحساس ) ويتضمن الإدراك الحسي وإنها تعني باليونانية في وقت واحد :
1 ـ المعرفة الحسية أو (الإدراك الحسي).
2 ـ المظهر المحسوس لإدراكنا والصورة الأولية لحساسيتنا.
إن أول من دعا إلى إيجاد هذا العلم وجعل لفظ الاستيطقا كإسم لعلم الجمال هو( الكسندر بومجارتن A.G.BAUMGARREN - 1714 م – 1762 م) وذلك في كتاب ( تأملات فلسفلية في موضوعات تتعلق بالشعر ) وقد قصد بومجارتن إلى ربط تقويم الفنون بالمعرفة الحسية مما جعله يعد كمؤسس لهذا العلم.
ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الاستيطقا من الكلمات التي جرت على الألسنة حتى أن الشاعر جان بول JENPAUL قال سنة 1804 م ( إن زماننا لا يعج بشيء بقدر ما يعج بعلماء الجمال ) لكن موضوع هذا العلم وهو الجميل والجمال والقبح كان مطروقاً منذ عهد اليونان كأفكار متفرقة عند أفلاطون وأرسطو وكزينوقراط وفي عهد الرومان أيضاً مثل أفلاطون وشيرون ..الخ.
تصنيف علم الجمال
يصنف التفكير الفلسفي العلوم ، بعلوم وضعية وعلوم معيارية 1 ـ العلوم الوضعية: وتهتم بدورها في دراسة:
ـ الظواهر الطبيعية .
ـ تعتمد على طرق تجريبية .
ـ تستنتج قوانين وأحكاماً تقريرية.
ـ تهتم بدراسة الكائن وتختص بالوقائع.
2 ـ العلوم المعيارية: وهي العلوم التي تتميز باستعانتها بالعقل.
ـ تتجاوز الوقائع الجزئية إلى البحث فيما ينبغي عليه أن تكون.
ـ تصدر أحكاماً قيمية وتصوغ القواعد أو المعايير، وتدرس العلوم المعيارية القيم الإنسانية الثلاث ( الحق ـ الخير ـ الجمال ). .
فإذا كان علم المنطق يضع القواعد والأسس التي تحاول تحديد العقل من الوقوع في الخطأ ويبحث فيما ينبغي أن يكون عليه التفكير السليم.
وإذا كان علم الأخلاق يضع المثل العليا التي ينبغي أن يسير الإنسان في سلوكه بمقتضاها أي كيف يجب أن تكون تصرفات الإنسان فإن علم الجمال يبحث فيما ينبغي أن يكون عليه شيء الجميل ويضع معايير يمكن أن يقاس بها. إن الجمال يقربنا من جوهرنا الإنساني أكثر ويجعلنا أرقى اجتماعياً وأكثر نفعاً ويقوي من إدراكنا للواقع المحيط ويمدنا بأدوات يمكن عن طريقها أن نفسر ماهية الحياة بل وحتى أكثر من ذلك باعتبار إحدى أدوات المعرفة يعطينا القدرة على لعب دور مؤثر في التحكم باليات التغير.
يقول فيشر : ( إن الوظيفة الأساسية للفن تكمن في إعطاء الإنسان القوة إزاء الطبيعة وإزاء الآخر وإزاء الواقع).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق