الأحد، 5 أبريل 2009

الإنسان كائن جمالي ــ من الزميل فهمي العليمي


الإنسان هذا الكائن الجمالي , الذي يحس منذ نعومة أحاسيسه بطاقات تأخذ لبه , فتراه وهو صغير يتأمل أمواج الضوء وزوايا الجمال من حوله, ويبدأ هذا الإحساس يكبر في داخله حين يضاف له الوعي الجمالي الذي يقارب الوعي الديني من حيث الانفعال بالكون , والانبهار بخلق الله وإعادة الأسباب للمسبب.

- يعد علم الجمال الطفل الأخير للعوم الفلسفة , وقد اهتم به الفلاسفة والنقاد لاحقاً فالناقد الحق هو من جمع لخبرته بالأعمال الأدبية فلسفة جمالية , تخترق النص الأدبي وتصل لسر جماله, ولعلي هنا أسمي علم الجمال بعلم الأسرار, فكل نص أدبي يخفي في طياته سراً جميلاً , وهذا ما يفسر لنا ميل الناقد الحصيف لنص ولو انكسر شكلاً, فهذا النقص الشكلي قد يدل على كمال معنوي, وقد يغش هذا

الكسر القواعدي لو صح التعبير, يغش معظم النقاد الشكليين,فينجو هذا السر كما نجت السفينة التي خرقها الخضر, خشية أن يغصبها الملك الجبار, وربما نقول هنا أنه حري بالجمال أن يكون محتجباً خفياً , كاللؤلؤ في المحار في قاع البحار لا يصله إلا الغواص

الماهر , لأن طرحه في الطريق يقتل معناه الحقيقي, ولذلك عمد بعض الصوفيين لإخفاء أسرار سعادتهم وظهرت بشكل رموز, كثيرة تقلب المعنى بين أذهان الناس والنقاد , وهي لا تدل إلا على معنى واحد هو السر الجميل الذي يعرفه من أدركه . وفي بحثنا هذا سنحاول تلمس بعض زوايا علم الجمال وهو لعمري علم جدير

بالخوض في تفاصيله الكثيرة والتي تشكل في النهاية جسداً عضوياً في النهاية يدل على الدهشة والرفعة , سنتطرق لتعريفات الجميل ثم سنذكر مفاهيم الجمال عن بعض الفلاسفة القدماء , وسنقف عند الجمال والحق وقفة , ولنا وقفة ذاتية سنتعرض فيها للمحات ذاتية كذلك وقفة عند الجمال والجلال عند المرأة والرجل , وسنطرح


بعض الإشكاليات حول الشعر والجمال ,ولا بد من الإشارة لتفاصيل ظهور الجميل كالتناسق والإيقاع , ولعل بحثنا هذا هو مقدمة لفهم علم الجمال وليس بحثاً جامعاً مانعاً ,إنما تلمساً أولياً لهذا العلم العميق .

التفكير الجمالي في الفلسفة القديمة:

هل المظهر الحسي هو معيار الجمال أم هي الأخلاق الرفيعة التي ترقى بالإنسان, هل يكون ارتباط الجمال بالمنفعة أم بالمثالية, وهل يكون التناسق تعبيراً وصفة للجمال كذلك التناظر والانسجام , أمور كثيرة شغلت أذهان الفلاسفة فالجمال أمر محير وأسهل طريقة لتناوله تحليله لعدة ظواهر, وتناول كل ظاهرة على حدا, لكن لنعود لنشأة التفكير الجمالي ولنر كيف بدأ:

" لعل أول الفلاسفة اليونانيين الذين اهتموا بالمسائل الجمالية هو كسينوفان 580 -48 ق م فقد رأيي هذا الفيلسوف أن معيار القيمة الجمالية هو نفسه معيار المنفعة والأخلاق. فالجميل هو ما يبلغ غايته على النحو الأفضل . والناقع جميل بالنسبة إلى ما ينتفع به.

والإنسان الجميل هو الرفيع الأخلاق, فليس المظهر الحسي الخارجي معياراً كافياً للجمال , وقد كان كسينوفان صاحب نظرية تعليمية أخلاقية في الفنون.

وجاء سقراط بعده ( 470 -399) فطلب تحديد الجمال بذاته لا الشيء الجميل فحسب وسعى إلى إثبات وجود مقاييس شاملة للجمال إلا أنه وحد في النهاية بين الجمال والخير والنفع. وقد كان يعتقد بأن للفن وظيفة أخلاقية وأن الجمال الطبيعي أرقى من الجمال الفني. ولعل ديمقريطس( 460-370 ق م) أول فيلسوف يوناني نظر إلى الجمال نظرة موضوعية مادية, فالجمال هو عنده انتظام أجزاء الأشياء المادية وتناسبها وأهم خاصة للجميل هي الاعتدال وكان يدعو الناس إلى التمتع باللذة المتصفة بالجمال.

أما أفلاطون427-347 ق م) فقد كانت تصوراته عن العلاقة الجمالية عديدة وعميقة وغير محددة تماماً. ففي بعض حواراته يعارض توحيد الجميل مع اللذيذ والملائم والنافع, وفي بعضها الآخر يرى الجميل في المنسجم والمتناظر. غير أن الجمال الحقيقي هو ما يصدر عن الحقيقة أو عالم المثل لدى معاينتها. فأفلاطون يوحد بين الجمال والحقيقة المطلقة ويحيل الجمال إلى بهاء الحق والخير. إن أفلاطون لا يستبعد أي شيء أو فعل من دائرة علاقة الإنسان الجمالية." ص 10 علم الجمال د نايف بلوز – منشورات جامعة دمشق ط6

- باومجارتن يقول في كتابه " الميتافيزيقيا" :إن ظهور الكمال, أو الكمال الواضح للذوق بمعناه الضيق هو الجمال, والنقص المقابل هو القبح, ومن ثم فإن الجمال بهذه المثابة يمتع الناظر , والقبح – بهذا الشكل – يبعث الضيق . ويقول في كتابه " الأستطيقا : إن الأستطيقا هي علم المعرفة الحسية وغاية الأستطيقا هي كمال هذه المعرفة الحسية, وهذا هو الجمال. ونقص المعرفة الحسية ... هو القبح والأشياء القبيحة بهذا المعنى , يمكن التفكير فيها بطريقة جميلة, وأيضاً فإن الأشياء الجميلة يمكن التفكير فيها بصورة قبيحة" ص 46 الأسس الجمالية في النقد العربي د. عز الدين إسماعيل.

كمال المعرفة الحسية يكون بالوصول لما وراء الحسية, يكون بمعرفة الأصل الحقيقي لهذا الشيء المتشكل بالحسية, والوصول لهذا الأصل هو كمال الحسية وعدم وقفوها عند الشكل فقط, ولعمري المقصود هو المعرفة البسيطة والتأمل الباطني والتبصر القلبي الذي يصل للمعنى الحقيقي ويخترق الشكل, وسيكون نقص المعرفة الحسية كمثال حقيقي أن تقليد الشكل لمجرد الشكل ما هو إلا قبح , أما لو فكرنا بهذه القبح ودعونا للتبصر بسر قبحه والوصول للكمال عن طريق النقص ,سيكون تفكيرنا بالقبح حينها تفكير جميل فالمعرفة هي المراد من الإحساس , أما إذا لم توصلنا الحواس للمعرفة والإدراك فهي معرفة ناقصة.

وتجلت زوايا علم الجمال وصفاته ودقائقه لدى الغزالي أيما تجلي, بل لعله فاق كل من بحث في هذا المجال, وأرى أن دراسة مستفيضة بل دراسات لن تفيه حقه وتخرج كنوزه:

يقول الغزالي في كتابه " إحياء علوم الدين" إنه لا يتصور محبة إلا بعد معرفة وإدراك , إذ لا يحب الإنسان إلا ما يعرفه , ولذلك لم يتصور أن يتصف بالحب جماد بل هو من خاصية الحي المدرك , ثم المدركات في انقسامها تنقسم إلى ما يوافق طبع المدرك و يلائمه ويلذه إلى ما ينافيه وينافره ويؤلمه , وإلى ما لا يؤثر فيه بإيلام و إلذاذ , فكل ما في إدراكه لذة وراحة فهو محبوب عند المدرك , وما في إدراكه ألم فهو مبغوض عند المدرك , وما يخلو عن استقطاب ألم ولذة فلا يوصف بكونه محبوباً ولا مكروهاً , فإذا كل لذيذ محبوب عند المتلذ به . ومعنى كونه محبوباً أن في الطبع ميلاً إليه .

ومعنى كونه مبغوضاً أن في الطبع نفرة عنه . فالحب عبارة عن ميل الطبع إلى الشيء الملذ والبغض عبارة عن نفرة الطبع عن المؤلم المتعب..." ص 254 - 255 الغزالي – إحياء علوم الدين ج4

ويقول " والقلب أشد إدراكاً من العين , وجمال المعاني المدركة بالفعل أعظم من جمال الصور الظاهرة للإبصار , فتكون لا محالة لذة القلب بما يدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي تجل عن أن تدركها الحواس أتم وأبلغ" ص 255 نفس الموضع
وهنا يكون قد قال كل ما يمكن أن يقال حول لذة الجمال والطريقة المثلى للوصول للجمال , وهي الرؤيا القلبية فالقلب أشد عمقاً وتبصراً من العقل وهو لا يخدع بالشكل لأن ما يصله ظلال الشكل فينكسر الخداع المراد عبر الشكل التي قد يخدع بها العقل والمحسوسات مادته , أما القلب فيعنى بالأثر وبالمعنى الخفي, وبالتوصل للأسرار الحقيقية خلف هذا الشكل, فلكل شكل قيمته التي تليق به وهذا هو الكمال .

يقول " كل شيء فجماله وحسنه في أن يحضر جماله اللائق به , الممكن له , فإذا كان جميع كمالاته الممكنة حاضرة فهو في غاية الجمال , وإن كان الحاضر بعضها , فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر , فالفرس الحسن هو الذي جمع ما يليق بالفرس من هيئة وشكل ولون وحسن عدو وتيسر وكر وفر عليه , والخط الحسن كل ما جمع ما يليق بالخط من تناسب الحروف وتوازنها واستقامة ترتيبها وحسن انتظامها , ولكل شيء كمال يليق به , وقد يليق بغيره ضده , فحسن كل شيء في كماله الذي يليق به." ص 258 نفس الموضع
يقول أبو وحيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة " فأما الحسن والقبيح فلا بد له من البحث اللطيف عنهما حتى لا يجور فيرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً, فيأتي القبيح على أنه حسن , ويرفض الحسن على أنه قبيح , و مناشىء الحسن والقبيح كثيرة : منها طبيعي ومنها بالعادة ومنها بالشرع ومنها بالعقل ومنها بالشهوة.فإذا اعتبر هذه المناشىء صدق الصادق منها وكذب الكاذب , وكان استحسانه على قدر ذلك . " ص 117 عز الدين إسماعيل, الأسس الجمالية

وهذه بعض أقوال الفلاسفة وعلماء الجمال العرب والأجانب , أما تفاصيل أقوالهم فلا تعد ولا تحصى وقد نبخسها حقها في هذا المقام بهذا الشكل, وإنما أردنا الإشارة لبعضها.

مصدر الجمال
الجمال والخير
"وحد معظم الفلاسفة في العصر اليوناني بين الجمال والانسجام واعتبروا من جهة إن الانسجام أو الجمال صفة طبيعية واجتمعوا من جهة أخرى على أن الحق والخير هما أسمى مراتب الجمال. .... وقد أعلن أفلوطين بوضوح أن الجمال هو جمال الإلوهية غير المحسوسة. ص 95 علم الجمال د نايف بلوز – منشورات جامعة دمشق ط6
ولعلنا نفضل أن نرجع الجمال للجميل , وهو الله خالق الكون العظيم , وخالق الإنسان الكائن الجمالي.

ولنتلمس مفردة جمال في القران الكريم:

قال الله تعالى "4 وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ 5 وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ 6 وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ 7" النحل

17 وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ 18 يوسف

"قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ "83 يوسف

"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 28" الأحزاب

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 49 "الأحزاب

" فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا 5 إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا 6 وَنَرَاهُ قَرِيبًا 7" المعارج
"84 وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ" 85 الحجر

" فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا 5 إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا 6 وَنَرَاهُ قَرِيبًا 7 "المزمل
فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ 52 الرحمن

19 وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ 20 الواقعة

19 وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ 20 المطفيين

أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ 17 وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ 18 وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ 19 الغاشية

لكن التربية الجمالية تكون أكثر ما تكون في هذه الآية الكريمة :

وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُّتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 99 الأنعام

هنا يعلمنا الله سبحانه وتعالى وينبهنا لجمال التأمل( انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون)

انظر أيها الإنسان ولعمري هذا النظر لا يكون إلا بعين القلب
من فوق السماء نزل الماء ومن تحت الأرض طلع النبات, وأخرج للإنسان حباً متراكباً متعدداً,وجنات من أعناب متماثلة الثمر متراكبة الشكل متدلية بشكل جميل, وشجرة الزيتون التي تحمل حبات وحبات متشابهة فترى الكثرة المنظمة والرمان الذي يحوي بداخله حبات متراكبة , لكن هذا التراكب مختلف عن العن وعن الزيتون وعن الحبوب, كل هذا التناسق والانتظام والاختلاف والتغير بالشكل يدل على الجمال, بل ونلمح بداية الانفعال الجمالي ثم الإدراك الجمالي بقول الله انظروا, وهذه الآية لعمري هي مكمن الجمال وفيها تنطوي قواعده وأسراره, وسنرى فيما يأتي أن من النقاد من حدد للجمال شكلاً تظهر فيه وهو التناسق والسيمترية والرشاقة , والنظام والتكرار والتلازم والاختلاف والتغير, وتضيف هنا هذه الآية الكريمة للجمال الغرابة , فمن السماء ينزل الماء ونحن نراه يجري بين أيدينا على الأرض, لعل هذه الطريقة الغريبة في نزول الماء للهي مدعاة للقول بجمال نزول الماء, ولا ننسى أن نربط كل هذه الأسرار بالله تعالى" وهو الذي أنزل من السماء ماء....."

تفسيرات تشوه الجمال:

- فرزت القصيدة الحداثية لو صحت تسميتها
فرزت معايير جديدة وهي أن القصيدة النثرية تقرأ ولا تلقى ولا تحفظ ولا تغنى
ومن خلال القراءة نصل للعديد من الصور الذهنية عماد معمار هذه القصيدة , التي قد تنشأ لذة عقلية خادعة
ولو عدنا لمجمل هذا النوع الذي فرز نوعية خاصة من المتلقين
بل وساهم النقاد في هذه الحملة
الأرض اليباب للشاعر إليوت والتي عبر فيها عن مصطلحات لست لغات وثقافات تعود لـ خمس وعشرين كتاباً
أفرزت نوعاً خاصاً من المتلقين , والتي تسربت لشعر هذا الكتيبة من الشعراء ,
وبرر الكثير من النقاد تغطية هجوم هذه الكتيبة من الشعراء
أن على المتلقي أن يثقف ذاته أكثر مع قصيدة الحداثة , بل هذه القصيدة هي موجهة لشريحة معينة وليست موجهة لبائع الخضار مثلاً
يقفز لذهني كذلك تغير مفهوم الصورة التي شكلها هؤلاء الشعراء, فأصبحت الصورة التي كانت تنتقل من المشبه للمشبه به للقرينة بينهم
إلى شكل جديد موجود في ذهن الشاعر وعلى المتلقي أن يعرف هذا المفهوم ويصل للدلالات الجديدة للصورة
- يرى بعض النقاد عقم الشعر الحر – شعر التفعيلة – في رسم الوجود الذي يحياه الشاعر الحديث واستنفاده المعطيات التي قام عليها وازدهر في الربع الثالث من القرن العشرين , وانه لا بد من قصيدة النثر لكي تقوم بترجمة رؤى العصر وأزمة الضمير
المضطرب الذي يمثله الشاعر الحديث خير تمثيل .

- وفي الوقت الذي نجد فيه ناقدا كمحمد النويهي يدعو إلى ثورة في شكل القصيدة العربية ومضمونها, نراه لا يتردد في سبيل دعم فكرته في رفض الشكل العمودي الموروث ناظرا إليه نظرة استثقال وتخلف , لا يرقى إليه الذوق ولا تستسيغه الأذن .

يقول النويهي :"فالبحر العربي المأثور ذو موسيقى حادة بارزة شديدة الجهر عنيفة الوقع على طبلة الأذن عظيمة الدرجة من التكرار والرتوب. وهذه طبيعية ينفر منها ذوقنا الحديث ولم تعد أذننا تحتملها وأصبحنا نراها شيئا بدائيا لا يعجب به إلا ذو الأذواق الفجة التي لم تنضج , وصرنا أميل إلى إيقاع أخف وقعا على الأذن وموسيقية اخف أثرا وأقل بروزا وحدةً وأحوج إلى الذكاء وإرهاف السمع لالتقطاها وتتبعها " الموقف الأدبي عدد 143

ومن جهة أخرى :

ينتقد الناقد امطانيوس الاتجاه الميتافيزيقي والوجودي والفني ( الفن للفن ) الذي تبته مجلة شعر اللبنانية وتعملق على يدها شعراء مثل أدونيس ويوسف الخال وأنس الحاج وشوقي أبو شقرا ويؤكد على شذوذ التوجه الذي غاص في اللامعقول وفي طيات المجهول هربا من الواقع وما النتائج التي وصل إليها إلى دليل على شذوذه يقول " وكثيرا ما اصطدمت تجارب أولئك الشعراء بالمطلق ......" ومن هؤلاء الشعراء توفيق حايك ويوسف الخال الذي وضعوا الحرية مقابل المطلق فأصبحوا عبيدا ً لكلمة اسمها الحرية فرغت من معناها وتحولت إلى معنى مناقض لها تماما ً. " ص 13 - امطانيوس ميخائيل - دراسات في الشعر العربي الحديث .

" الأثر الممتع للشعر يمكن أن ينبع من الحقيقة القائلة بأن إيقاع الضربة الشعرية يكون عادة أقل سرعة من إيقاع النبض , فإن صح ذلك صح أن نقول " الشعر لغة القلب" .! " ص 305 الأسس النقدية
كذلك نهض جماعة من فريق الهجوم وقال انه سيفض بكارة هذه اللغة, وسيغير فيها كما يحلو لفنه , وشهدنا بشكل أو بأخر تخريب واضح لأساليب الاشتقاق والنحت والكثير من قواعد اللغة العربية
منهم من ساهم بذلك عارفاً ومنهم من اتبعهم وهو غير عارف لهذه القواعد
وقد يأتينا من يقول يوماً من الشعراء:
هذه الولد تمشي لسرعة من الطريق
القمر مدت أرجله ببطء وناءت نارية
يقول احد النقاد "تشكيل المادة من أهم ما يعنى به الشاعر ,غير الشاعر يستخدم اللغة باعتبارها وسيلة , أما عند الشاعر في غاية هي عند غيره نافعة وعنده جميلة . واهتمام الشاعر بالحياة لا يقل عن اهتمامه بالفن , فهو في لحظة واحدة يستقبل التجربة ويبدع" ص 306 الأسس النقدية

- التأمل للتركيب الحسي والبحث عن ماهيته , وغايته هو بظني علم الجمال

لن نسلم للكثير من الذين فسدت أذواقهم , وسنتبع طريقة التأمل البسيط لهذه التركيبات الذهنية لنكشف فشلها
أصبحت العملية مجرد تركيب صور وجمع أركان لا قرينة بينها لتكوين تربة تشابه تربة الشعر

وهذا ليس بشعر, لن أبالغ حين أذكر أنه سيعود للساحة الشعرية والأدبية الاهتمام بالمحاسن البديعية من جناس وطباق وتشبيه . لأن هذه المحاسن هي عبارة عن إيقاع شكلي للجمال اللغوي , والذي تغير اسمه للمحسنات بعد أن قلده الكتاب دون جمال داخلي لنصوصهم , لكن التصحيح لن يكون بنفي هذه الأشكال, وهذا الرأي توصلت إليه بعد دراسة علم الجمال ومن خلال فقرة الإيقاع ولا أعلم أن قول أفلاطون بالبلاغة القديمة يوافق ما قلت أم أنه يعني أمرا أخر رغم اعتقادي بصحة ما قلت حول المحاسن

البديعية ,ونذكر كلامه: "حاول كروتشة أن يبين كيف أن اسم الإستطيقا وإن كان جديداً يتضمن محتويات قديمة عادية,فبامجارتن يشير إلى أرسطو وشيشرون في الأساس الأول من أسس علمه, وبعبارة أخرى يصل الإستطيقا بالبلاغة القديمة, مقتبساً الحقيقة التي قررها بوضوح زينو الرواقي القائلة : إن هناك أصلين للتفكير ,والتفكير الدائم الواسع وهو البلاغة, والتفكير الموجز المحدد وهو الجدل... وهو يوحد بين الأول والميدان الإستطيقي كما يوحد بين الثاني والميدان الإستطيقي ...فالاسم خال من أي مادة جديدة"
.
من ناحية أخرى :
كثير من النقاد من دافع عن شعر الغزل الفاحش , وادعى أن النقد الجمالي هو من يدرس دون غاية أو نفعية يدرس الشكل والصورة.
خلق الله هذا الخلق الذي نصل لجماله من خلال الشكل , هو خلق نتصوره من خلال الشكل , لكن ذلك لا يعني التناقض مع غاية هذا الشكل وفعله ووظيفته.

- إن إدراك الجمال هو إدراك شكلي لا يتعلق بالمنفعة وهو مستقل عن الأخلاق .

لكن ذلك لا يعني أنها لو أعجبنا بفتاة حسناء , لن تعجبنا لو عرفنا أنها سيئة الأخلاق
لكن إدراكنا لحسنها كشكل لا شك أننا نعرف أنها جميلة الشكل , لأن الإدراك عملية عقلية مادية , وسوء الأخلاق أمر معنوي وليس بشكلي,

ومن حاول أن يبرر الغزل الفاحش ضاع وأساء استخدام أن الجمال لا يتعلق بالأخلاق وبالمنفعة, ذلك انه يدرك بصورة شكلية ونقول أن الفن ما انطوى على قيمة جمالية شكلية ومعنوية :

" الفن وهو ينطوي على قيمة جمالية مكثفة. وهو مطالب دائماً بأن يقدم شكلاً ذا قيمة جمالية ومن صفات الفن أنه يعكس واقعاً معيناً ويخلق واقعاً جديداً. والفن يجمع في شكله ومحتواه الصفة الجمالية وغير الجمالية, إلا أن جمالية الشكل المطلوبة في الفن لا تفترض جمالية المحتوى بالضرورة. أن القيمة الجمالية تشمل الشكل في علاقته بالمضمون أما القيمة الأخلاقية فتختص بالمضمون فحسب

وقد يظهر التوافق بين الأخلاق والجمال في الفن فتكون الفضيلة جميلة أو يظهر التنافر فيبدو المجرم أو الشيطان جميلاً, ولقد اعتقد بعضهم أن الجمال الفني يجب أن يخدم الهدف الأخلاقي وقال آخرون أن الجمال يقود بذاته إلى الفضيلة في حين قال ثالث أن القيمة الجمالية غريبة عن الأخلاق وأنه يجب تحرير الفن والجمال من القيم الأخلاقية الضيقة."

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق