الأحد، 5 أبريل 2009

الجماليات المسرحية .. بين التاريخ والآركيولوجيا

جاسم العايفيتجسد علم الجمال بشكل حسي موضوعي في إطلاق حرية الإبداع والمعرفة في مكونات الحياة الإنسانية/ الاجتماعية- السياسية والروحية/. ويحدد (هيغل) الجمال صفة للروح والوعي بسبب الطابع التاملي الذاتي وتماثل تمام الأجزاء والكل كنتيجة منطقية لوجهة النظر المثالية . بينما يتم توسيع النظر لجوانب الجمال بالنسبة لوجهة النظر المادية بإعطائها طابعاً تاريخياً وإكسابها مضموناً اجتماعياً، حيث "الجميل انتاج للممارسة الاجتماعية التاريخية" أي تحويل الجانب الحسي الى ممارسة ((السيادة)) على الأشياء وذلك بمنح اللذة الروحية والمتعة الجمالية دوراً معرفياً.(الموسوعة الفلسفية السوفيتية/مجموعة من العلماء السوفيت/ترجمة سمير كرم/ الطبعة الثاثة / 1983).يعترف الدكتور كمال عيد في كتابه/ علم الجمال المسرحي (1) بصعوبة معرفة البدايات التاريخية لعلم الجمال AESTHETICS على المستوى النظري ، متجاوزاً ذلك إلى البحث في تحديد ماهية التفكير الجمالي، لكون تلك المبادئ تُعتبر المصدر الأساس للكثير من المبادئ والقيم الأنسانية الأخرى، مثل الخير والتعبد للفن والشعر والموسيقى، ولكون علم الجمال معني بالوصف والتغير بالنسبة للظواهر الفنية ثم ((قياس)) التجربة الجمالية بالاستعانة بعلم النفس وعلم التاريخ وعلم الاجتماع وعلوم أخرى متشابكة في مناهجها ومدلولاتها مع الجمال. ان اصل كلمة (الجمالية ) في اليونانية القديمة يعني"وعي الذات الاستبطاني" أو "الإدراك بالترابط" ومصطلح الجمالية AESTHETICISM يصبح أكثر تعقيدا و صعوبة في البحث عن دلالته ففي حوالي(388-310ق.م) وفي اليونان القديمة افتتحت مدرسة لـ"تقليد" الجماليات، ليصمت بعد ذلك علم الجمال حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلادي ، حيث يبرز الألماني (بومجارتن) وكتابه (تأملات) والذي هو مجموعة محاضرات ألقاها على طلبة جامعة فرانكفورت,في المانيا, محدداً فيها ولأول مرة اصطلاح AESTHETIK كدلالة على فلسفة الجمال والفن مستفيداً من نظام التطبيق الحسابي في الموسيقى , ومحاولاً الارتفاع بالقيمة الفلسفية في علم الجمال أسوة بما كان متبعاً في علمي المنطق والأخلاق .وقد قاده ذلك إلى البحث في متطلبات الفن حيث يتساوى "الشعر والتمثيل" بالظهور عن طريق "القول" والموسيقى والاوبرا "عن طريق الاستماع" و المشاهد البصرية في" الفنون التشكيلية" ولغرض اعتماد قبول العمل الفني ايجابيا، يقتضي وجود حلقة اتصال حسية بين "المرسل والمستقبل". ثم تضيء الانثروبولجيا الوصفية وعلم الآثار الدلالات الجمالية ، حيث بدايات المحاكاة والتقليد في العصر الحجري في المغارات والكهوف ، وتقود الشواهد العينية الى الاهتمام بنشاط العمل الواقعي في الفعل بشكل تصويري عندما يتم تقليد الأحداث (ص11). وبهذا فان الأدب الدرامي بدا حدثاً وان فن التمثيل بدأ صامتاً، بلا حوار ومعتمدا على حركات اليدين والقدمين والحواس الأخرى ،وعبر هذا وذاك تكونت الظاهرة الاجتماعية الأولى في فن التمثيل( ص17 ) والتي تسمى (مسرحية الحياة) بعناصرها الثلاثة، "قبل واثناء وبعد" العمل، ومن ذلك انبثقت مسرحيات الأعياد والمناسبات الطقوسية، والتي تطلق مشاعر الإنسان وأحاسيسه، ويسعى هذا النوع من المسرحيات من خلال استخدام اليد والحجر والسهام للتأثير على الطبيعة والواقع والآخر. يرى الدكتور كمال عيد ان المسرح الحديث يعود إلى "المفهوم القديم" من حيث اعتبار النص والممثل والجمهور في الدرجة المثالية، وهو المعادل الموضوعي لما عرف في المسرح القديم،" الدور، الحدث ، الجمهور"، استناداً الى ذلك يقدم وجهة نظره في تاريخ المسرح حيث يعارض البحوث الكثيرة والتي تقرر-: أن الأصل في المسرح والمسرحية انهما قد خرجا من المسرح اليوناني القديم ومن عبادة وطقوس الهة اليونان القدامى(ص24) ،ويرى مع بعض الباحثين الاجانب والعرب ان التجربة المسرحية الأولى هي تجربة وادي النيل بعد ان تم فك رموز الكتابة الهيروغليفية وقد أطلق على بعض رموزها لفظة (حوارات درامية) حيث "يمكننا ان نقول بوجود ما يسمى بالفرقة المسرحية المتجولة الفنية"، ويتأكد هذا الاستنتاج بوجود شخصيات مسرحية مثل ازيس، اوزيوس، موراس، ضمن الأسطورة الفرعونية المعروفة (اسطورة ايزس) ، اما التجربة المسرحية الثانية فقد انبثقت في بلاد ما بين النهرين (MEZOPOTAMIA) وفي مدينة آشور حيث وعبر الدراسات الآركيولوجية الحديثة تم العثور على الواح ورقم طينية تحتوي على نصوص تتضمن حوارات (درامية)،ومنها المسرحية المعروفة باسم (الموت والبعث)، وغيرها من علامات توضح توفر الشكل الطقوسي المسرحي في بلاد ما بين النهرين وخلال القرنين السابع والثالث قبل الميلاد. ولوح عثر عليه ويعرف بأسم (طريق وزيارة الالهة عشتار إلى الجحيم) و كذلك العمل المسرحي الدرامي المسمى (شعائر ميثراس) و كانت حينها تقدم بالأقنعة التي يرتديها الممثلون كجزء لازم للعمل المسرحي. ويضاف الى ذلك النص البابلي المعروف بـ"التشاؤم" والذي عده الباحث والمؤرخ الالماني ( ا .هوفر-هلزيرج) كاول تمثيلية (مرحة) في تاريخ المسرح العالمي ، أي ما يعادل آلآن المسرحية الفكاهية، و جاء ذلك في دراسته المعنونة "اقدم نص مسرحي في الادب العالمي وتأثيره " والتي نشرها في مجلة المسرح العالمي الالمانية – العدد3-4 سنة 1937 وهذا النص الدرامي البابلي الغريب المعروف بأسم (حوارالتشاؤم) تسري فيه روح المرح والعبث والسخرية وهو حوار بين السيد والعبد ويعد من اقدم النصوص الدرامية في تأريخ الادب المسرحي العالمي" (2) إضافة الى علامات أخرى تصل الينا من عهد الاسكندر الأكبر (323-356 ق.م) زمن احتلاله لاسيا الصغرى ووجود أماكن اخرى ,في العالم متفرقة هنا وهناك, كان يجري فيها التمثيل المسرحي وقتذاك،وقبل ما مدون من تاريخ مختص بالمسرح اليوناني القديم.وعن المسرح المعاصر يرى د. عيد انه "يمثل جزئاً ضئيلاً في الحياة العامة" و هذه الخشبة الصماء القائمة على فراغ لابد منه هي شكل تجريدي إلا انها تترجم أعظم لحظات الانسان المصيرية وتقدم صراعه وكفاحه وامانيه وانتصاراته، ولكل ذلك سيظل المسرح ملازماً للانسان اينما كان في العصر الحجري الى عصرنا هذا وبعد عصرنا كذلك . في مبحث "جماليات المسرح عبر العصور" يرى د. كمال ان علوم الجمال تعرضت ولا تزال تتعرض حتى اليوم للجدل والنقاش ، وان ارسطو قد ركز الجماليات على "الخبرة الواقعية" وقد عد المزاج وروح الشعب الموضوع الاهم في الفن وان ازدهار فن المسرح في اليونان والاحتفالات الفنية والدرامية تعود لتكريم الآله الذين يقررون مصير البشر وفي حديثة عن العصر الهلليني يلاحظ"تغير موقف الفن "بسبب انهيار مصير الحياة الديمقراطية السابقة حيث اصطدمت الحياة العامة في العصر الهلليني بأساليب الحياة الخاصة وبالترفيه وبالمتعة البصرية وبالشكل التام للاهداف الفردية ومطالبها الشخصية وقد قادت الفلسفة (الرواقية) المسرح الى الاهتمام بالبصريات والمتعة ولم ويبق صورة حية عن الحياة . اما عن "جماليات الفن العربي" فأنه يؤكد" ان المسرح العربي حديث التاريخ ولاتظهر كثيراً في محاولاته القديمة او الجديدة علامات واشارات جمالية حقيقية". ومن تنقيبه في تاريخ المسرح العربي يلاحظ ثمة علامات واشارات جمالية تتحدد في مقامات بديع الزمان الهمذاني وبخلاء الجاحظ وكتاب النمر والثعلب لسهيل بن هارون وحلقات الذكر ومجالس السماع الصوفية والاحتفالات الجماهيرية الشعبية مثل احتفالات المولد النبوي الشريف وحادثة عاشوراء حيث يعاد فيها تجسيد لمعركة (الطف) خاصة في العراق وايران و اماكن اخرى في العالم . وكذلك الحكواتي في قصص سيف بن ذي يزن وعنترة ابن شداد والاميرة ذات الهمة والظاهرة الطقوسية عند العرب في الكعبة وحولها عندما كانوا يطوفون في مواسم الحجيج رجالا ونساء عرايا قبل ظهور الدين الاسلامي الذي شذب بعض الطقوس الوثنية وأعاد تبنيها وذهب الى أسلمتها, ويعتبرها بدايات مسرحية بسيطة-ساذجة رغم صدقها وهي "عبارة عن انفعالات فوقية غير منظمة". عند الحديث عن علم الجمال التمثيلي ينطلق د.عيد من (الموديل) النموذج، الى الاستمرارية الابداعية، مؤشراً على ذلك بترسيمة للمثال الفني . وآلآن وبعد مرور فترة من الزمن على صدور كتاب الدكتور "كمال عيد" احيطت (طروحاته في كتابة تاريخ جديد للمسرح في العالم) بالصمت التام وتم تجاهلها/حسب اطلاعي ومتابعتي التي ربما تكون محدودة/..واعتقد ان ذلك يعود الى عوامل ومسببات كثيرة لعل من اهمها هو ان العمل بها وتأصيلها سيقود الى اهمال او تصحيح الاف الصفحات والمشاريع والمفاهيم والنتائج والأعمال المسرحية التي اسست على ذلك،والتي وثقت اسبقية اليونان تأريخيا في العمل المسرحي، وبالتالي فان الكثير من الاعمال والالقاب ستصبح عديمة الجدوى ما لم تعدل على وفق ذلك . ويشترك في كذلك النظرة الدونية الاستشراقية والتي ترى ان المركزية الغربية وطروحتها تملك حق الثبات وإحتكار الحقيقة وكل استنتاجها بمثابة المسلمات، التي لا يرقى لها الشك ولا يمكن تجاوزها او الاضافة لها. وكذلك ضعف لا بل ندرة العمل الآركيولوجي والبحث الاثاري المعتمد على الكشوفات العلمية الحديثة وذلك يعود الى غياب الاستقرار الاجتماعي - السياسي في منطقة الشرق عموماً وفي المنطقة العربية خصوصاً ومع ذلك تبقى (افكار وطروحات) د.كمال عيد المخلصة في تصحيح تاريخ المسرح العالمي بحاجة الى الشواهد المتنوعة والبحوث العلمية المتخصصة في حقول التنقيبات والمكتشفات الاثارية.
(1) مستنسخ - بغداد - بلا تاريخ. (2) د. عبد الغفار مكاوي / جذور الاستبداد / قراءة في ادب قديم / ص54-126.الكويت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق