الأحد، 5 أبريل 2009

أفكـار فـي علـم الجمـال ـ إهداء الزميل ـ فهمي العليمي




بقلم ـ آيات يوسف صالح


ان الجماليات عامة بالاضافة الى معارفها قد تواجدت عبر طريق تاريخي طويل يمثل الاف السنين في تاريخ تطور الثقافات المختلفة. مرة في التحام، واخرى في افتراق عن مدلول التجربة الفنية الجمالية، حتى وصلنا اليوم الى وجود مادة علمية حية تحتل مكانها في الجامعات المتقدمة يطلق عليها” علم الجمال “ او” الاسطاطيقا “.
لقد تعرضت الجماليات لابحاث عديدة ـ وفي كل زمان ومكان ـ عبر تاريخها الطويل حتى استطاعت ان تحتل مكانها بين علوم الاداب والفنون وعلم الفلسفة وعلم الاجتماع” السيسيولوجيا “ لانه لم يكن في استطاعة دورة الزمن ان تهملها. على الرغم من امتداد البحث في المشكلة الجمالية منذ العصر القديم، الا ان المفكر الالماني” بومى جارتن “ كان اول من استعمل التعبير في القرن الثامن عشر الميلادي. وعلى حد تعبير ديمقريطس من ان الفن الحقيقي عادة ما يكون جميلا . ونعرف من العصر القديم تأييد سقراط للجمال.. هذا التأييد الذي اثري من النظرية الجمالية في الماضي، بعد ان اضاف الى الجماليات في بداية الطريق المقاييس والمعايير الحسية السمعية والبصرية، ولفت اليها الانظار، الذي ركز على الجمال المثالي المدرك، الذي يخرج من تضافر عنصري الجمال والاخلاق ليعكس الخير في الارض الطيبة.
لكن مما لاشك فيه ان ارسطو كان اكثر المهتمين القدامى بمشكلة الجمال، سواء فيما قدمه او فيما راجعه من نظريات واقوال من سبقوه في هذا المجال، متجنباً عناصر الفكر عند افلاطون وبخاصة هذه العلاقة بين الخير الاخلاقي والجمال، حتى وصل الى امكانية التعبير الفني عن اشياء قبيحة لاتحمل من عناصر الجمال كثيراً. كما لفت الانظار الى دور التراجيديا ودور الكوميديا” المأساة والملهاة “ مقعداً للدراما في كتابه” فن الشعر “ كاشفاً النقاب عن النوعيات الجمالية فيها، ومقدما الخطوة الحقيقية الاولى نحو القصور الواقعي لجماليات الفنون، بما نعتبره اليوم التراث الاصيل.
وفي العصور الوسطى وجدت تعاليم بلوتينوس طريقها الى الانتشار بحكم التفكير اللاهوتي الديني الذي كان قائما آنذاك. بعد ان برزت امامها الافكار الجمالية التي كان يدعو اليها القديس اجستون امتداداً لجماليات بلوتينوس، والتي كانت تقول:
” بان الله سبحانه وتعالى هو اعظم درجات الجمال، وان كل جمال هو من صنعه. وطالما ان الله هو خالق العالم، فان العالم كامل لا ريب في ذلك. اما القبح فما هو الا اخدوعة وصورة مظللة للبصر كالوهم تماماً. كما وان الفن يمكن احتماله اذا ما اصبح في خدمة العقيدة الدينية “.
ظل الحال هكذا، حتى جاءت جمالية المذهب الحسي في عصر النهضة على يد” لوك “ وهي جمالية تبحث في اللجوء الى الموضوعات المثيرة في الادب والفن واثر ذلك في النفس .
حيث رعت افكاراً جمالية جديدة عن” هاتشمون “ الى ان مصدر القرارات والاحكام الجمالية ليس فقط هو العلاقات او الخصائص المدركة بالحواس في الظهور الخارجي وانما هي ايضا الاحاسيس الذاتية التي تعتمل داخل النفس باثرها وتأثيراتها. ويكشف”بيرك“ عن تغيرات الحالة العصبية في النفس كما يقدم كل من” باتن، اليسون “ بعض المفاهيم الجمالية لدى النشاط الترابطي المتعلق بتداعي المعاني والخواطر.
هذا بينما نجد” لاينبتز “ في المانيا يبحث جماليا في التعرف على الانسان من خلال منطلقين محددين الاول عقلي، والثاني حسي عند المنطلق الاول يرى لاينبتز ان ما نعثر عليه من اكتمال العالم عن الطريق الفعلي يعني الحقيقة.
بينما يجعل منطلقه الثاني يتحدد داخل ما نعثر عليه عبر الاحاسيس او المشاعر يعني الجمال، حتى ولو كان عبر صورة غير مكتملة تماماً او هي ناقصة مبتورة. الا ان مرحلة تابعة نجد فيها” كنط “ يعطي استقلالية تامة لعلوم الجمال، كواحد من اعظم الجماليين الكلاسيكيين الالمان .
وتقوم هذه الاستقلالية على عدم التبعية او ربط الجمال بعلوم او فنون اخرى فقد فصل الجمال عن الارتياح وعن الخير، وعن الحقيقة .
وليحقق وجهة نظره من ظهور الجمال بلا مصلحة نفعية. وليصبح التعبير عنه تعبيراً مستقلا بحتاً، بالصفتين العمومية والخصوصية. فالارتياح لايكون نتيجة شيء جميل تحبه لانه يولد لذة معينة، حتى وان كانت لذة داخلية والخير يتعلق بالمصلحة الشخصية او حتى العامة، والحقيقة تعبير عن الحق والحقائق، بل هي نسبية في احيان كثيرة.
انطلاقا جديدا لمفاهيم الجمال وعلومه طور من قوانينها وقياساتها مستقبلا الفيلسوف الالماني (هيجل) وترتكز الفكرة الجمالية عنده على لمعان الفكرة من جديد داخل الشخصية فما يطلق عليه انسان شيء جميل يجب ان يكون معادلا حقيقة للجمال الفني..وعلى هذا يصبح جمال الطبيعة عند(هيجل) ناتجا عن الصور المنعكسة او الفعل المنعكس عن الفن وهو ما يعني إلغاء الحضور الجمالي الخطي في نظرته التي تحددها فلسفته المثالية.
كذلك اتى دور علم الجمال الماركسي الذي تميز منذ بدايته حديثا على ربطه بعلاقات متعددة، مثل الواجب الاجتماعي المحدد الصراع الطبقي في المجتمع الاشتراكي الثورة الثقافية الاشتراكية واثبت (ليفسيك) في دراساته وابحاثه ان نظرية الجمال الماركسي في افكارها ومضامينها تبعد عن الفكرة الطارئة او اللحظة العابرة وحدد مهمتها في اعادة البناء وبدء تنظيم جديد للسلوك الجمالي واطاره.
ان ادراك الانسان ووعيه لقادران بمساعدة الخيال على التعبير عن اشياء او موضوعات قد يغيب عنها الاحساس الناتج عن الاذن في السمعيات .
لكنه يمكن القول بان هذه الموضوعات والاشياء انما تعثر داخل الانسان على ما اطلق عليه العلماء البصر الداخلي السمع الداخلي وهي نتيجة لذلك تحمل في طياتها نوعيات جمالية ذات خصائصه معينة بصرف النظر عن جمال او قبح هذه الخصائص.يهتم علم الجمال (كعلم) في الكشف عن ماهية الجمال وتوضيح مظاهر الجمال وفوقياته في الموضوعات وفروقاتها عند الانسان وفي الطبيعة وفي بقية مظاهر الحياة وكذلك في رفع النقاب كعلم عن الدور الاساسي له كماة حية في المجتمع في وبين الناس وفيما يتعلق باعمالهم ونشاطاتهم وهوياتهم ان لزم الامر. وكما ان الحقيقة نسبية فانه يمكننا القول ايضا بان الجمال نسبي كذلك ان اختلاف الاراء وتشعبها بل وتضاربها كذلك في تقييم جمالي واحد لشجرة من الاشجار او زهرة من الزهور يراه افراد كثيرون يؤكد هذه الحقيقة العلمية لكن ما تفسير هذا التضارب علميا؟
اننا نرى اسبابه في ان عالم الجمال الواقعي الحقيقي يظهر او هو يبرز في الاحاسيس الذاتية للانسان الدائمي ولا يظهر كخصائص مدركة وهذا الراي الذي يطرحه الانسان لموضوع من الموضوعات او منظر طبيعي.
متعلق بما يحس به ذاتيا من سعادة اواحساس طيب تجاه شيء معين.
ان الاختلافات الكثيرة والاراء المتشعبة نحو موضوع واحد انما تكشف في بساطة عن الذوق عند كل واحد منهم على حدة، وهو امر طبيعي ومقبول في أن نرى بعضاً متمتعاً بذوق جميل عال وبعضنا الآخر يحمل قليلاًمن طبيعة الذوق، او هو يفتقدها على الاطلاق. او يخيل هذا الاختلاف في الاراء مثلاً الى ان البعض يعيش باحساسا مرهف عال الدرجة والبعض الاخر لم تصل درجة الاحساس عنده الى المستوى الاعلى ولقد ثبت على الجمال ان لكل فن قوانينه الخاصة به التي باستطاعة الحكم الحكم بها على انتاجاته الفنية(جماليا). ومن غير المسموح تدمير هذه القوانين او الغاؤها او اهمالها حتى لا تصاب الاحكام الجمالية بالمغالطة او الجذب. ان الفنون في عموميتها وعلى كثرتها-شيء نافع للانسان وللبشرية وللحياة، لان لكل منها وظيفته الخاصة بها من نفسها واهدافها سواء كانت هذه الاهداف مباشرة او غير مباشرة، سواء كان الفن مستقلاً او تابعاً.
كما اتصل علم الجمال اتصالاً وثيقاً بالفنون على اختلاف انواعها. لكن ذلك لا يعني ان هذا العلم في بحوره الواسعة اليوم وقف على هذا الاتصال بالفنون حيث تشير ابحاثه المتعددة ـ خاصة في القرن العشرين على تجاوزه هذه المرحلة، وامتداد اشعاعاته وقواعده الى عالم الانسان المعاصر.
هذا الامتداد الشامل الذي طوق الانسان ووصل الى مداركه وسلوكياته وتصرفاته، ودخل الى نفسه ليفصح عن اسرارها ومكنوناتها.
وهو ما اعطى قواعد علم الجمال فرصة جديدة للتجريب، ليس في عالم الانسان المعاصر ككائن حي يعيش ويحزن ويفرح وينفعل ويؤثر ويتاثر، ولكن لقطع مراحل جديدة من الكشف العلمي في مجال البيئة ومظاهرها، اعتباراً لهذه العلاقة الوثيقة القائمة بين الانسان وبيئته.
اذا ما افترضنا ان الانسان ككائن حي مثله مثل باقي الكائنات كالنبات والحيوان، يكتشف السلوك عنده عن طبيعته وعن النشاط الذي يقوم به في الحياة، سواء كان هذا النشاط هواية او ابداعاً او عملاً فنياً او اختراعاً.
(ان الطبيعة من صنع الله عز وجل سبحانه وتعالى. ولقد ابدع الله في الانسان الاحساس والمشاعر وميزه عن بقية خلقه بالعقل حتى يفرق بين الخير والشر، بين الغث والسمين، ليبقى عقله في حالة حياة على الدوام طالما كان له عمر على هذه الارض).
دانيال ديفو يعري فلسفة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر في احدى قصصه مثبتاً فشلها وبعدها عن الانسانية المعاصرة (لانها فحصت صور التعبير عند الانسان في بعد عن حقيقته الاجتماعية تحديداً) وهو ما يقيم حجر عثرة وهوة بين الانسان وحقيقته على اعتبار ان الوعي عنده يتكون من عناصر سياسية واخلاقية الى جانب عناصر الوجود الاجتماعي ذاته.
فكيف يمكن والحالة هذه اهدار الجانب الاجتماعي وتأثيراته على الانسان؟
يكشف علم الجمال عن كل هذه العلاقات الواحدة بعد الاخرى، خاصة علاقات الفنون ان هذه العلاقات التي لابد ان تتأثر بالانسان او بالسياسة او الدين او بالاخلاقيات او بنظام المجتمع تستمد مقوماتها من المجتمع بعد ان تولد فيه وتتفاعل معه وتتشرب من معالمه وخصائصه.
والا فكيف ان تعلل ميلودرامات الملوك عند شكسبير؟ وابداعات بتهوفن خاصة في سيمفونياته التسع؟ اعظم ما تحقق حتى اليوم في تاريخ الموسيقى العالمية ليمثل المبادىء الجمالية في اعماله.
ومع اعترافنا بأن علم الجمال اصبح من العلوم الواضحة في العصر الحديث البعيدة في الاسرار والميتافيزيقيا، الا اننا نقول بأن الاحكام الجمالية-تبعاً لما ذكرنا- تقبل امكانيات الصواب، بنفس الدرجة التي تقبل فيها امكانيات الخطأ. بمعنى ان الجماهير المقتدرة جمالياً احياناً ما تحكم جمالياً بالخطأ. ونفس الحالة يمكن ان نلمحها احياناً في التكوين الفني نفسه عند الفنان المقتدر كذلك. وهو ما يعود الى عدم التوازن احياناً بين عناصر (الصورة) او الصور المتعددة للموضوع فاذا ما كان الجمال منطقياً، فأنه تبعاً لهذا المنطق يمكننا ان نحكم في النهاية بالحكم الجمالي الصحيح او الحكم الجمالي الخاطئ ايضاً ونبدأ نكتسب خاصية الاعداد للفن الحقيقي على طريق التطور والكمال.
وهو ما من شأنه حينئذ دخول عناصر الجماليات بدور قاطع ومحدد ليفيد منه الانسان، اعز جواهر حياتنا العصرية منهجاً وتفكيراً وسلوكاً ومعاملات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق